منهم بالمسجد وإن لَم يأخذ إلا قليلا، أو خرج صفرا، ثُم نَجد كثيرا في كل القرى من يَحرص على أن يَحفظ ولده القرآن بكل ما أمكن، فيبذل جهده في ذلك إمَّا بالرضا وإمَّا بالرغم، وهذا هو السبب الباعث على تلك السيول الجرارة المتموجة من حفظة القرآن الذين أدركناهم، وقلما تَجد قرية في غالب نواحي سوس إلا وكان ربع سكانها أو ما يقرب من ذلك من حفظة القرآن، وأمَّا التي فيها الْخمْس فقط؛ فتدخل في الندور، وأمَّا التي تضم أفرادا فقط؛ فإنَّها من الندور الشاذ في المكانة القصوى، ولا يُمكن قطعا أن تَجد في الجيل الذي أدركناه قرية ليس فيها جَماعة أتقنت حفظه في كل أرجاء سوس، سهلا وجبلا، ثم عشنا حتى رأينا تقلص ذلك تقلصا مُحزنا (١)، وقد كانت المساجد للقرى مواضع حفظ متن القرآن، وفي كبرياتِها مواضع لإتقان رسْمه الْمصحفي يُرتَحل إليها.
ثُم هناك مدارس كثيرة للمرتبة الثالثة، وهي تعاطي فن القراءات السبع، اشتهرت مدارس بِهشتوكة -فيما أدركنا- بذلك؛ كَمدرسة (أغبالوا) بِماسة، ومدرسة (سيدي وجاج بأجلو)، ومدارس بآيت بعمران؛ منها: مدرسة بوكارفة، ومدرسة الْجمعة بآيت عبلا، ومدارس في الجبال؛ مثل: موزايت، وإيرازان، وأيكضي وهذه ببعقلية، وفركلا برسمُوكة، ومدرسة سيدي صالِح، ومدرسة تزي الاثنين بآيت ودريم، ومدارس في راس الوادي، ومدرسة البعارير التي تَخرج منها سيدي الزوين الْحَوزي الشهير، ومساجد كسيمة، وبعض مَحلات من سفوح جبل درن الجنوبية، وغير هذه المحلات.
وفن القراءات وإتقانه والقيام عليه، من الفنون السوسية التي كانت سايرت عصرهم العلمي من قديم، وهو فن شريف مؤسس على قواعد علمية، تدرس بِمؤلفات الشاطبي وابن الجزري وابن بري والخراز وأمثالَهم، وللسوسيين أيضا مؤلفات في الموضوع، ونعرف من أساطين هذا الفن كثيرين في الْحَيَاة العلمية السوسية؛ منهم: حسين الشوشاوي شارح: (مورد الظمآن)، وسعيد الكرامي شارح (مؤلف الخراز)، ويَحيى بن سعيد الكرامي صاحب شرح (الدرر اللوامع في قراءة نافع)، وأحمد بن سعيد، وموسى الوسكاري، وإبراهيم بن سليمان، ومسعود بن علي الهشتوكيون، وأحمد بن يَحيى التينزرتي، وأحمد بن يَحيى الرسموكي، والْحُسين بن إبراهيم الخالدي السكتاني، ومُحمد بن علي الجزولي الكفيف، ومحمد بن
(١) بل عشنا حتى رأينا حركة واسعة ضد حفظ القرآن الكلية والجزئية. والغريب أن هذا لم يقع في أيام الاستعمار بل في أيام الاستقلال.