للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقال غيره: ليس معنى {لَنْ تُحْصُوهُ} ما ذهب إليه أبو عبيد، ولكن معناه: لن تطيقوه، يعنى قيام اللّيل، فخفف الله تعالى ذلك عليهم، قال:

والاختيار النّصب؛ لأنها أصحّ فى النّظر. قال الله تعالى لنبيّه عليه السّلام: {قُمِ اللَّيْلَ إِلاّ قَلِيلاً} أى: صلّ الليل إلا شيئا قليلا منه تنام فيه، وهو الثّلث والثّلث يسير عند الثلثين، ثم قال: نصفه، فاكتفى بالفعل الأول من الثّانى؛ لأنّه دليل عليه، وانقص من النّصف قليلا إلى الثّلث، أو زد على النّصف إلى الثّلثين، جعل الله له سعة فى مدة قيامه فى اللّيل، فلما نزلت هذه الآيات قام رسول الله صلّى الله عليه وسلم وطائفة من المؤمنين معه أدنى من ثلثى الليل شيئا يسيرا وقاموا نصفه، وثلثه، وأخذ المسلمون أنفسهم بالقيام على المقادير حتّى شقّ ذلك عليهم.

فأنزل الله تعالى: {إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ} أى: تقوم نصفه وثلثه، {وَطائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ وَاللهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ} مقدار ثلثيه ونصفه، وثلثه، وسائر أجزائه، ويعلم أنّكم لن تحصوه، أى: لن تطيقوا القيام على هذه المقادير {فَتابَ عَلَيْكُمْ، فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنَ/الْقُرْآنِ}.

فذهب الشّافعى رضى الله عنه إلى أن ما تيسر من القرآن هو (الحمد)، وقيل:

مائة آية، ورخّص لهم فى أن يقوموا ما أمكن، ثم نسخ الله ذلك بالصلوات الخمس.

قال أبو عبيد فأمّا نصفه فأجمع القراء على كسر النون وإسكان الصّاد وللعرب فيه أربع لغات: يقال: نصف الشئ، ونصفه ونصفه، ونصيفه. ومن ذلك حديث رسول الله صلّى الله عليه وسلم (١) : «لا تسبّوا أصحابى فإنّ أحدكم لو أنفق مثل أحد ذهبا ما بلغ مدّ أحدهم ولا نصيفه».قال الشّاعر (٢) :


(١) مسند الإمام أحمد: ٣/ ١١.
(٢) هما لسلمة بن الأكوع فى اللّسان (نصف) عن أبى عبيد وبعدهما:
لكن غذاها اللّبن الخريف ... المحض والقارض والصّريف