ما أمر به واجتناب ما نهى عنه, وجعل مدار كمال المخلوق على حب الحق وكراهية الباطل, فخلق الله الناس مفطورين على ذلك, وقدَّر لهم ما يؤكد تلك الفطرة وما يدعوهم إلى خلافها, ليكون عليهم في اختيار الكمال مشقة وتعب, ولهم في خلاف ذلك شهوة وهوى. والمقصود أن يتبين حال الإنسان, فيفوز مَنْ صبر على تحمل المشاق, ويخسر من يلجأ إلى الباطل فرارًا من تلك المشاق أو من شدتها, فمدار الفوز أو الخسران على إيثار الحق أو الباطل.
وعقد فصلًا ذكر فيه أن الدين على درجات: كفٌّ عما نهي عنه, وعمل بما أمر به, واعتراف بالحق, واعتقاد له وعلم به. وبيَّن كيف يكون مخالفة الهوى للحق في هذه الأمور, ولم يجعل الله جميع حجج الحق مكشوفة قاهرة لا تشتبه على أحد, لأنها لو كانت كذلك لكان الناس مجبورين على اعتقاد الحق, فلا يستحقون عليه حمدًا ولا كمالًا ولا ثوابًا, وكذلك اقتضت الحكمة أن لا تكون الشبهات غالبة حتى لا توقع الناس كلهم في الكفر, بل اقتضت أن تكون هناك بينات وشبهات, فمن جرى مع فطرته وآثر مقتضاها وتفقد مسالك الهوى فاحترس منها تتجلى له البينات وتتضاءل عنده الشبهات, ومن اتبع الهوى وآثر الحياة الدنيا تبرقعت دونه البينات واستهوته الشبهات.
ثم عقد فصلًا ذكر فيه أن المطالب على ثلاثة أضرب: الأول: العقائد التي يُطلَب الجزم بها ولا يسع جهلها. الثاني: بقية العقائد. الثالث: الأحكام.