فأما الضرب الأول فالنظر فيه ميسر لكل أحد, والنظر العقلي المتعمق فيه لا حاجة إليه, بل هو مثار الشبهات.
وأما الضرب الثاني فمن كان قائلًا بشيء منه عن حجة صحيحة فإن الاستجابة لا تزيد تلك الحجة إلا وضوحًا مع الخلاص عن الهوى. وإلا فالجهل بهذا الضرب خير من القول فيه بغير حجة.
وأما الضرب الثالث فالمتواتر منه والمجمع عليه لا يختلف حكمه, وما عداه قضايا اجتهادية يكفي فيها بذل الوسع لتعرف الراجح أو الأرجح أو الأحوط, فيؤخذ به.
وفي الفصل الخامس الأخير من المقدمة ذكر عشرة أمور ينبغي للإنسان أن يقدم التفكر فيها ويجعلها نصب عينيه. عليه أن يفكر في شرف الحق وضعة الباطل, ويفكر في نسبة نعيم الدنيا إلى رضوان رب العالمين ونعيم الآخرة, ويفكر في حاله بالنظر إلى أعماله من الطاعة والمعصية, ويفكر في حاله مع الهوى, ويستحضر أنه على فرض أن يكون فيما نشأ عليه باطل, لا يخلو من أن يكون قد سلف منه تقصير أو لا, فعلى الأول إن استمر على ذلك كان مستمرًّا على النقص ومصرًّا عليه, وذلك هو هلاك الأبد, وإن نظر فتبين له الحق فرجع إليه حاز الكمال. ويستحضر أن الذي يهمه ويسأل عنه هو حاله في نفسه, فلا يضره عند الله ولا عند أهل العلم والدين والعقل أن يكون معلمه أو أسلافه أو أشياخه على نقص. ويتدبر ما يرجى لمؤثر الحق من رضوان الله والفوز العظيم الدائم في الآخرة, وما يستحقه متبع الهوى من سخطه والمقت في الدنيا والعذاب الأليم الخالد في الآخرة.