ويأخذ نفسه بخلاف هواها فيما يتبين له, فلا يسامحها في ترك واجب ولا في ارتكاب معصية ولا في هجوم على مشتبه, ويروضها على التثبت والخضوع للحق. ويأخذ نفسه بالاحتياط فيما يخالف ما نشأ عليه, فإذا كان فيما نشأ عليه أشياء يقول أهل العلم: إنها شرك أو بدعة أو حرام, فليأخذ نفسه بتركها, حتى يتبين له بالحجج الواضحة صحة ما نشأ عليه. والأمر الأخير أن يسعى في التمييز بين معدن الحجج ومعدن الشبهات, فإنه إذا تم له ذلك هان عليه الخطب.
والباب الأول في الفرق بين معدن الحق ومعدن الشبهات, وبيان مآخذ العقائد الإسلامية ومراتبها. ذكر فيه أن مآخذ العقائد أربعة: سلفيان وهما الفطرة والشرع, وخلفيان وهما النظر العقلي المتعمَّق فيه والكشف الصوفي. وفصّل الكلام عليها, وبين أن الله فطر الناس على الهيئة التي ترشحهم لمعرفة الحق, والشرع هو كلام الله وكلام رسوله, لا يخشى فيه جهل ولا خطأ, ولا كذب ولا تلبيس, ولا تقصير في البيان, فهل يقول مسلم بعد هذا: إن المأخذين السلفيين غير كافيين في معرفة الحق في العقائد, وأن ما يؤخذ من علم الكلام والفلسفة مقدم على المأخذين السلفيين ومهيمن عليهما؟ !
أما المأخذ الخلفي الأول (وهو النظر العقلي المتعمَّق فيه) فلا حاجة إليه في معرفة العقائد في الإسلام, وهو مثار للشبهات والتشكيك, ولذا وجب التنفير عنه والتحذير منه. وقد كشف المؤلف عواره وهتك أستاره بسلاح أهل الكلام والفلسفة, فنقل كلامهم وبين اختلافهم, وقدح بعضهم في الحسيات والبديهيات وجواب بعضهم عنه وتناقضهم في ذلك. ثم