تطرق المؤلف إلى ذكر القادحين في إفادة النظر العلم, والوجوه التي تمسكوا بها وما أجيب به عنها. وذكر في آخر هذا الفصل بعض أئمة المتكلمين الذين رجعوا قبل وفاتهم إلى تمني الحال التي عليها عامة المسلمين, مثل الشيخ أبي الحسن الأشعري, والجويني, والغزالي, والفخر الرازي. فرجوع هؤلاء الأكابر وقضاؤهم على النظر المتعمَّق فيه بعد أن أفنوا فيه أعمارهم من أوضح الحجج على من دونهم.
ثم تكلم المؤلف عن المأخذ الخلفي الثاني وهو الكشف الصوفي, فذكر أن أول من مزج التصوف بالكلام الحارث المحاسبي, ثم اشتد الأمر في الذين أخذوا عنه فمن بعدهم, حتى جاء ابن عربي وابن سبعين والتلمساني, ومقالاتهم معروفة, ومن تتبع ما كان عليه النبي - صلى الله عليه وسلم - والصحابة وأئمة التابعين, وما يصرح به الكتاب والسنة وآثار السلف, وأنعم النظر في ذلك, ثم قارن ذلك بمقالات هؤلاء القوم, علم يقينًا أنه لا يمكنه أن يصدق الشرع ويصدقهم معًا. والشرع يقضي بأن الكشف ليس مما يصلح الاستناد إليه في الدين, ونجد في كلام المتصوفة أن الكشف قد يكون حقًّا, وقد يكون من الشيطان, وقد يكون تخيلًا موافقًا لحديث النفس, وصرحوا بأنه كثيرًا ما يُكْشَف للرجل بما يوافق رأيه حقًّا كان أو باطلًا, فالكشف إذن تبع للهوى, فغايته أن يؤيد الهوى ويرسخه في النفس ويحول بين صاحبه وبين الاعتبار والاستبصار, فكأن الساعي في أن يحصل له الكشف إنما يسعى في أن يضلَّه الله عز وجل. وما يزعمه بعض غلاتهم من أن لهم علامات يميزون بها بين ما هو حق من الكشف وما هو باطل, دعوى فارغة.