الثالث: وجوب الواجبات وإمكان الممكنات واستحالة المستحيلات يُعلَم من طريق العقل, فأما العلم به بإخبار الشارع فمشكل, لأن خبر الشارع في هذا المطلب إن وافقه عليه العقل فالاعتماد على العقل, وخبر الشارع فضل, وإن خالفه العقل وجب تقديم العقل وتأويل الخبر, وإن لم يعلم موافقة العقل الخبر ولا مخالفته له كان محتملًا أن يكون العقل مخالفًا له فيجب تأويله, ومع هذا الاحتمال لا يفيد العلم.
ناقش المؤلف رأي الرازي, ورد عليه بتفصيل في منعه الاحتجاج بالنصوص في العقائد, وألزمه بإلزامات لا مفرَّ منها, وذكر أن كثيرًا من النصوص التي ينكر المتعمقون ظواهرها كانت عقول المخاطبين الأولين تقطع بوجوب ما دل عليه بعضها وجواز ما دل عليه الباقي.
ثم ذكر المؤلف كلام العضد وغيره في هذه المسألة, ورد عليه وعلى الشريف الجرجاني والسعد التفتازاني في قولهم: إن الأدلة النقلية لا تفيد اليقين, وتَوصَّل في النهاية إلى أن من تدبر القرآن والسنة وآثار السلف لم يَخْفَ عليه الحق في كثير منها, وأنه لا يمنعه من القطع والاستيقان ــ إن منعه ــ إلا الشبهات المحدثة المبنية على التعمق, فأما من يقوى إيمانه ولا يبالي بتلك الشبهات, فإنه يقطع بدلالة كثير من تلك النصوص ويؤمن بها, وأما من لا إيمان له وهو مفتون بالشبهات فإنه لا يقطع بتلك الدلالة ويكفر بها.
وفي آخر الباب الثالث بحث نفيس عن المحكم والمتشابه, تطرق إليه المؤلف لأن كثيرًا من المتكلمين يسترون تكذيبهم للنصوص بدعوى أن ما يخالفونه منها هو من المتشابه المنهي عن اتباعه. ذكر المؤلف في معنى المحكم والمتشابه قولين عن السلف: