[عادة مص الأصابع عند الأطفال]
السؤال
كيف يمكن منع الطفل من إدمان عادة مص الأصابع؟
الجواب
المشكلة في الحقيقة تكثر عند بعض الأسر في بعض أطفالهم، فنلقي الضوء عليها في دقائق معدودة.
أولا: ً بالنسبة لعادة مص الأصابع عند الأطفال تكون في فترة معينة سلوكاً عادياً ينبغي تقبله، لكن هذه العادة تنتهي ما بين ١٨ - ٢٤ شهراً في الوضع الطبيعي العادي، أي: إلى سنة ونصف أو إلى سنتين، وقد لا تختفي تماماً إلا عند ثلاث سنوات.
وإذا استمر الطفل في مص إصبعه بعد السنة الرابعة ولكن عند اقتراب وقت النوم فهذه ليست مشكلة ولا تستدعي القلق على الإطلاق.
مما ينبغي أن ندركه أن موضوع مص الأصابع بالنسبة للأطفال علاجه ينبني على معرفة السبب؛ لأن بعض الأطفال يمص أصابعه بطريقة تنتهي بتشويه الإصبع، فالعلاج أساسه هو معرفة سبب هذه العادة، وبالتالي إذا عرفنا السبب نزيله دون اضطراب أو قلق.
أحد الأسباب لوجود هذه الظاهرة عند الطفل هو سلوك الوالدين، وظروف البيئة المحيطة بالطفل، وسلوك الوالدين يشمل سلوكهما مع أشقائه، وسلوكهما مع الطفل نفسه، كأن يحصل تمييز بين الأولاد والبنات، بحيث يفضل الولد على البنت، فتبدأ البنت تبالغ في مص الإصبع نتيجة التوتر الذي تعانيه، فسلوك الأبوين أو ظروف البيئة تكون هي السبب في هذا الأمر.
لكن لا بد أن نفهم أن مص الطفل لأصابعه هي وسيلة لتخفيف حالة توتر يعيشه، فقد يكون عنده نوع من التوتر والقلق، ولجوءه لمص الأصابع هو وسيلة ليخفف حالة التوتر التي يعيشها إما مؤقتاً أو دائماً.
ويوجد شيء يشبهه عند الكبار وهو السجائر، فبعض الناس إذا تضايق فزع إلى السجائر حتى يذهب التوتر الذي عنده، أو يكون لتخفيف حالة إحباط، يعني: هذا الطفل يشعر أنه لا يستطيع أن يحقق ما يريده، فيمكن أن يحصل له إحباط، فيبدأ يفزع إلى هذه العادة، أو يكون بسبب الغيرة؛ كأن يكون له أخ جديد أو أخت جديدة فينصرف عنه الاهتمام، ويصير الطفل المولود الجديد هو بؤرة الاهتمام، فيبدأ يفزع إلى هذه العادة، أو يمكن أن يكون بسبب التعب أو شعور الطفل بالوحدة فيلجئه إلى هذا الشيء.
كيف نتعامل مع هذه الحالة؟ أهم شيء أن نتجنب مسالك معينة يسلكها الآباء أو المربون، أولها: التوبيخ، فيجب أن يتجنب توبيخه بكثرة على هذه العادة؛ لأن ذلك غير مجدٍ، بل يزيد الحالة سوءاً.
كذلك من الخطأ أننا كلما رأيناه يضع إصبعه في فمه نشد يده، ونبعد إصبعه عن فمه، هذا علاج غير صحيح، أو بعض الناس يلفون يدي الطفل بشاش، أو يلبسونه قفازاً، أو يربطون يديه، وللأسف هناك سلوكيات أخرى وحشية، فبعض الناس يضعون على إصبعه مادة مقززة كالفلفل أو الشطة أو الصَّبِر المر جداً، وهذا سلوك غير صحيح، فعملية التوبيخ أو إبعاد الإصبع عن الفم أو ربطها أو وضع قفاز أو مادة منفرة عليها؛ كل هذه الأشياء تدفعه إلى الاستمرار، وتزيد شعوره بالإحباط.
كذلك من الوسائل التي ينبغي سلوكها في هذه الحالة: أن يوفَّر لهذا الطفل نشاط حر محبب إلى نفسه، يعني: اشغله بنشاط حر هو يحبه، كنوع معين من الألعاب أو الترفيه؛ لأن هذا النشاط الحر سوف يمتص طاقته، أو تمكنه من مخالطة أطفال آخرين مثله حتى تنمو شخصيته.
كذلك ينبغي ألا يظهر المربي القلق الشديد أمام الطفل بسبب هذا الموضوع، وكلما حضر عنده ضيف حكى قصته، فيقوم هذا الضيف بالتعليق، فالطفل يشعر عندها بأنه ينظر إليه نظرة توبيخية، فالإنسان لا يظهر القلق الشديد بسبب هذا الموضوع أمام الطفل؛ لأنك إذا أشعرته بالقلق والتوتر فسوف يزيد من هذه العادة ولن يتوقف! والطفل عامة كلما زادت ثقته بنفسه وشعر بالاطمئنان قل عدد مرات مص الأصابع.
ومن السلوكيات الخاطئة مقارنته بغيره: سواء أكان هذا الغير أصدقاءه أو زملاءه أو إخوانه كأن يقال له: كل إخوانك جيدون، ولا أحد منهم يعمل هذا العمل، لماذا أنت فقط تمص أصابعك؟! إلى آخره، فهذه المقارنة سلوك غير صحيح؛ لأنها تسبب إحباطاً، بينما أنت قصدك الخير عندما تقول له: إخوانك جيدون فكن جيداً مثلهم، لكن هذا يسبب له إحباطاً، فالصحيح أن يبرز للطفل الجوانب المشرقة في شخصيته، يعني: كل واحد يختصه الله بشيء دون الآخر، ففلان اختصه الله بكذا، فتأتي للصفة الجيدة، وتدعم هذا الطفل وتشيد بها؛ حتى تدعم ثقته بنفسه.
كذلك النقد المستمر والمتواصل -وبالذات إذا اقترن بعبارات التحقير- هذا سلوك خطير، يعني: أنت عندما تتعامل مع الطفل فإنك لا تتعامل مع ندٍّ لك، وذكرت من قبل أن رجلاً ألف كتاباً مفيداً جداً اسمه: (طفلك ليس أنت)، مع العلم أن هذا الرجل ليس مسلماً، فمشكلة كثير من الآباء أنه عندما يتعامل مع الطفل يتصور أنه عنده نفس العقل والتجارب والخبرات والمقاييس، فعندما يأتي يضربه يضربه بعنف شديد، وكأنه أمام شخص مكافئ له، وحتى الضرب تكلمنا بالتفصيل عنه قبل هذا، وبينا أنه لا يكون إلا بشروط منها: ألا تضرب الطفل وأنت تريد أن تتشفى منه؛ لأن هذا من الظلم، أن تأتي إلى طفل صغير فتضربه هذا الضرب الوحشي، كما يحصل أحياناً من بعض الناس، فهذا الفعل يدل على وجود خلل في تفكير هذا الرجل الذي يتشفى، فهو يخرج شحنة الغضب عن طريق الضرب، ولا يهدأ حتى يشفي صدره تماماً من غلِّه من هذا الطفل، طبعاً هذا السلوك من الجاهلية -في الحقيقة- وليس من الإسلام.
الشاهد: لا تتعامل معه كأنه مثلك تماماً، بل انظر إليه كما كان ينظر إليك أبوك أو أمك وأنت في تلك السن، فأنت في تلك السن لم تكن تفهم أن هذا الشيء غلط.
إذاً: لا بد من تجنب النقد المستمر والتحقير، وكل العبارات العامة التي فيها حكم بالإعدام للشخصية، كأن تقول: أنت لست نافعاً لا أمل فيك ستظل طوال عمرك غبياً إلى آخر هذه العبارات، أو كما نسمع أشياء عجيبة عن بعض المدرسين الذين ليس لهم مكان في التربية على الإطلاق، فيقول بعضهم لبعض تلاميذه: (لما تفلح تعال قابلني) إلى آخر هذه العبارات الفظيعة.
فكونك تصدر حكماً عاماً على الطفل هذه إساءة شديدة له، وتُوجد عنده شعوراً بالمرارة والعجز وعدم الكفاءة.
وكذلك ينبغي أن تحمي الطفل من سخرية أقرانه الآخرين، بحيث لا يهزءون به بسبب هذه العادة، لأن هذه السخرية سوف تعمِّق العادة عنده أكثر فأكثر.
يمكن كذلك أن تطلب من الطفل أن يساعدك في عمل شيء معين، ويكون هذا الشيء محتاجاً إلى أن يستعمل يديه كلتيهما، فتحاول أن تلهيه عن عادة المص بأن تشغل يديه، أو تحضر له ألعاباً معينة لا تعمل إلا باليدين.
كذلك يفضل أن يهمل هذا الموضوع، ولا يتكلم فيه أمامه، ولا ينبه إلى شيء يذكره بإصعبه، ومع ذلك فيمكن للإنسان -بصورة عرضية عابرة- أن يذكره بلطف: أنه سوف يكبر، ويُقلع عن هذه العادة، ولا يلفت نظره إليها ليزيد من انتباهه نحوها.
من أهم الأسباب التي تلجئ الطفل إلى مص الأصابع بعد السن المذكورة -التي تصل إلى خمس أو ست سنوات- شعوره بالحرمان العاطفي، فيحتاج عندها إلى جرعة زائدة من حب وحنان الأبوين، والطفل بطبيعته يكتشف إذا كان محبوباً أم لا، أو كان مرغوباً فيه أم لا، ويعرف من يحبه ومن يتظاهر أنه يحبه، فلا بد أن يؤمن شعور الطفل بالحب والأمان، وقد ذكرنا من قبل أنه ليس من الحكمة أبداً أن تقول له: إذا فعلت الشيء الفلاني أنا لن أحبك، لكن قل: لن أعطيك المصروف، هذا عقاب لكن لا تهدده بالحب، ولا تجعل الحب موضوع تهديد، بل لا بد أن تقول: أنا أحبك، لكن لا أحب التصرفات الفلانية، أو لو عمل الشيء الفلاني فلا تهدده بأنك لن تحبه إذا فعل كذا، لا بد أن يؤمن له الشعور بالحب والشعور بالأمان، بعض الناس طفله لا يريد أن يصعد في (المصعد الكهربائي) فيقول له: هل ستأتي أم أذهب وأقفل عليك الباب؟ هذا خطر، فهذا يفقده الشعور بالأمان، أو إذا أخذه معه إلى السوق أو إلى محل معين فقام الطفل بتصرف غير مرغوب، فيقول: إذا لم تسمع كلامي سأتركك هنا وأذهب، وهذا خطأ كبير؛ لأنك هكذا ستهدد شعوره بالأمان، فهو سيتسائل: لو تركني وحدي ماذا أفعل؟ لكن ممكن تقول له: إذا لم تترك هذا السلوك سنلغي هذه الفسحة ونعود إلى البيت، فهكذا لم تهدد شعوره بالأمان، وفي نفس الوقت تزجره عن التمادي في هذا السلوك.
أحياناً يقوم الأب أو الأم بالحديث عن الأزمة المادية والفقر والديون والهموم أمام الطفل، بينما ينبغي أن يعزل الطفل عن الشعور بالهم مبكراً بقدر المستطاع؛ لأن هذا يمثل عبئاً عليه، وكذلك معايشة المشاكل والصراعات بين الأبوين والتي تهدد بقاءه في الأسرة إلى آخر هذه الأشياء، إذا شهد الطفل مثل هذه الصراعات فإن ذلك يهدد شعوره بالأمان، وهذه طبعاً لها عواقبها الوخيمة فيما بعد.
فلا بد أن يشعر الطفل أنه محبوب ومرغوب فيه، وأن الذين حوله يحبونه، هذا أمر مهم جداً، وسبق أن قلت من قبل: إن الرضاعة ليس المقصود منها أن يغذى بدن الطفل فقط، لكن حكمة الله سبحانه وتعالى اقتضت أن الرضاعة الطبيعية تتم بطريقة فيها جرعة من الحنان بجانب جرعة الطعام الذي ينشأ عليه، فنفسه تحتاج إلى الحنان، والمفروض على الأم أن تضمه إليها عند الرضاعة، ولا تأتي إليه وهو يبكي وتعطيه ثديها فقط؛ لأنه حينها سيشعر بأنه قد أخطأ عندما بكى، وهذا نوع من الحرمان من وجبة الحنان التي كان يأخذها كل فترة أو كل مرة يرضع فيها.
الطفل لا بد أن يشعر أن الذين حوله يرغبون فيه ويحبونه، فلا تأتي الأم -كما يحصل من بعض الأمهات الجاهلات- وتقول: حاولت بكل الطرق والوسائل إجهاض هذا الطفل والتخلص منه، لكن جاء غصباً عني، فماذا يكون شعور الطفل إذا علم أنه غير مرغوب فيه؟! هل يكون عنده إدراك ويعرف أن هؤلاء الأبناء رزق من عند الله، وأنه هو الذي خلقهم؟ لن يفهم ذلك، بل سيفهم أنه فرض عليهم فرضاً، وأنهم غير راغبين فيه، حتى لو جدلاً وجد هذا الشعور السيئ فلا ينبغي إظهاره أبداً، بل بالعكس يجب أن يؤمن الطفل، فإذا وفرت جرعة الحنان الكافية طبعاً هذا سيؤثر في استقراره فيما بعد، وفي عافيته من الآفات النفسية والسلوكية، ويوفر كثيراً من العناء.