أهم شرط في المديح: أن يكون صادقاً بدون مداهنة أو كذب، وهذا هو الذي يترك أثراً إيجابياً في نفس الطفل، وإذا مدح الطفل بمجازفة وبكذب فإنه يكتشف ذلك، ويعرف أن هذا كذب، فالثناء ينبغي أن ينصب على الفعل، لا أن تمدح الطفل نفسه كما سنبين إن شاء الله تعالى، لا تقل له مثلاً: أنت أبرع طفل في العالم، أنت أجمل طفلة في العالم أو نحو هذه الأشياء، وإنما تقول له: أداؤك في هذا الامتحان كان أداء جيداً وموفقاً، وتحسنت كثيراً، فتمدح السلوك وليس الشخص نفسه، حتى يحصل الربط الإيجابي، ويكون أقوى وأقدر على التغيير في سلوكه، وقد رأينا في حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما كيف مدحه النبي صلى الله عليه وسلم بهذه الطريقة الرائعة:(نعم الرجل عبد الله لو كان يصلي من الليل)، فتأثر ابن عمر بهذه العبارة جداً إلى حد أنه كان بعدها لا ينام من الليل إلا قليلاً ينبغي أن ينصب الثناء على الفعل، وعلى السلوك الحسن الإيجابي، وليس على الشخص نفسه، فمثلاً بدل أن تقول له: أنت طالب مجتهد يا فلان، قل له: الامتحان الأخير الذي حصلت فيه على هذه الدرجة في اللغة العربية كان ممتازاً، أو النتيجة كانت ممتازة، أو أداؤك كان ممتازاً، ولا تقل له: أنت ممتاز؛ لماذا؟ حتى نلفت نظره دائماً إلى السلوك نفسه، وليس إلى شخصه.
مثلاً: بنت ساعدت أمها في ترتيب غرفة من غرف البيت، فالصواب أن يقال لها: كان عملك في إنجاز هذا الأمر رائعاً، ويشجعها بكلام ينصب على مدح السلوك، لكن لا نقول لها: أنت أفضل البنات يا فلانة، أو أنت أفضل بنت في العالم إلى آخر هذا، فنركز على السلوك نفسه لنلفت نظره، وليربط بين المديح والثناء، وبين السلوك الإيجابي كي يحدث تغييراً في سلوكه؛ لأن الثناء المطلق لا يؤثر نفس التأثير، فينبغي أن يكون محدداً لكي يعرف أنه لما عمل الشيء الفلاني مدح، وشيء محدد هو الذي استجلب له المدح والثناء؛ ولذلك ينبغي أن تكون المكافئة أو التشجيع عقب الفعل مباشرة، فعندما يحفظ السورة ويسمعها تسميعاً جيداً؛ فوراً يعطى الجائزة، والجائزة لا يشترط أن تكون مادية بل يمكن أن تكون مدحاً وثناء أو أن يحتضنه، أو يلعب معه، أو أي شيء آخر.
ولا يشترط أن الجائزة دائماً تكون جزاءً مادياً، كذلك العقاب يكون عقب الفعل مباشرة، ولا يؤجل ولا يسوف؛ لأنه إذا عوقب بعد فترة، أو بعد مضي يوم أو يومين مثلاً، أو إذا جوزي بعد مضي يوم سيختلط الأمر، والمفروض أن يعاقب عليه مباشرة، وهو في أثناء أو هذه المهلة يمكن يكون قد ارتكب سلوكيات خاطئة أخرى، فهو لا يعرف على ماذا يعاتب؟ إذاً: العقوبة لابد أن تكون عقب الفعل مباشرة، وكذلك الجزاء والثواب والتشجيع، وعندها سنجد أن الطفل سوف يحاول الإكثار من هذا السلوك الذي جلب له المديح أو الثناء والإعجاب والتقدير، ولو أننا ركزنا على مدح ذاته هو وليس إنجازاته أو سلوكياته فهذا سوف يزيد من أنانيته، ويزيد من حبه لنفسه، وربما أشعره بالغرور والتعالي؛ ولذلك نرى كثيراً من المتفوقين يتراجعون في مستواهم الدراسي، أو ينحرفون عن السلوك القويم بسبب المبالغة في مدحهم بمدح عام مطلق يملؤهم غروراً وكبراً، فلابد أن يتسم الثناء والمدح بالموضوعية، ولا يبالغ المربي فيه، حتى لا يفقد قيمته؛ لأنه إذا كان مبالغاً فيه، أو فيه كذب، فإن الطفل سوف يدرك جيداً هل كان المدح صادقاً ومعقولاً وموضوعياً أم فيه مجازفة وغلو ومبالغة، فيستخدم المربي الاعتدال وفي ظروف ملائمة، تشجعه على الأداء وتنمي لديه الحافز الداخلي، وتساهم في بناء شخصيته وتطويرها نحو الأفضل.
نذكر كلاماً متعلقاً بنفس هذا الموضوع من كتاب:(مبدأ الرفق في التعامل مع المتعلمين) لمؤلفه صالح بن سليمان البقعاوي يقول: إن من الأسس النافعة في التعليم والتربية: الثناء على الطالب ومدحه ليزداد اهتماماً ونشاطاً في الخير والإقبال على العلم والتزود منه، والمدح والثناء الحسن لا يكلف المعلم شيئاً، ولا يحقر بسببه شيئاً، بل الفائدة متحققة من استعماله، وحينما نقرأ سير علماء الأمة وصلحائها نجد المدح والثناء والتشجيع للطلبة على كسب العلم وتحصيله.