[كيفية التعامل مع تعبيرات الطفل السلوكية الغاضبة]
إن سلوك الوالدين مع الطفل العنيد لابد أن يتسم بالحزم المرن المغلف بالحنان والحب والعاطفة، مع ترك مساحة حرية للطفل حتى تتكون شخصيته وينمو كما هي سنة الحياة.
ضابط آخر عند غضب الوالدين من سلوك معين من الطفل كالعناد أو التحدي أو نحو ذلك: لا ينفع أن تظهر غضبك للطفل دون أن تشرح له الأسباب التي أدت إلى غضبك، أو تشيح عنه بوجهك، وتعرض عنه، أو تعاقبه وهو يقول لك: ماذا عملت؟ فتقول له: هكذا فقط! لا، الصواب أنك عندما تغضب من فعل أنك تعْلِمه بسبب هذا الغضب؛ لأنه لا يستطيع أن يقرأ أفكارك، ولم يصل بعد لمرحلة من النضج تؤهله لأن يفهم ما الخطأ الذي صدر منه؛ ففي هذه الحالة يجب أن يتفهم الطفل الأسباب التي أدت إلى غضب الوالدين.
هناك نقطة مهمة وهي: أن الغضب أو العناد في السنوات الأولى من سنتين إلى خمس سنوات مثلاً يعتبر سلوكاً عادياً؛ لأن الطفل كلما وقع في مشكلة حاول أن يحلها أو يتفاعل معها بطريقة بدائية تتناسب مع عقله وإمكاناته، وما هذه الطريقة البدائية؟ إنها البكاء والصراخ، هذه هي اللغة التي يستطيع أن يعبر بها؛ لأنه توجد لغات معقدة ولغات بسيطة تعتبر طريقة للتواصل مع الذين يحيطون بك، مثلاً: إشارات الكهرباء في السيارات (اللمبات) لغة سهلة جداً، ولغة بسيطة، إذا كنت ستنحرف يميناً تعطي الضوء لليمين، أو شمالاً تعطي الضوء للشمال، أو سوف تنتظر تعطي ضوءاً معيناً، وهكذا.
الشاهد: أنها لغة سهلة للتواصل، والطفل عنده أيضاً لغة بدائية هي البكاء، وهو إعلان عن العجز عن حل المشكلة؛ فيطالب بالمعونة عن طريق البكاء، كأنه يقول: تعالوا ساعدوني في هذه المهمة التي أنا عاجز عن حلها، فالغضب في هذا العمر -من سنتين إلى خمس سنوات- يعتبر شيئاً عادياً؛ لأن الطفل يحاول حل مشاكله بالبكاء ليعلن أنه غير قادر على حل مشكلته بنفسه فيطلب المعونة بالبكاء.
بعد الخمس السنوات إذا وجد الغضب، والعناد، والتمرد، والتحدي من الطفل فهو يعكس أحد أمرين: إما أنه غير متكيف مع الأسرة في جو البيئة الأسرية، وبالتالي فإن هذا يعتبر النواة لحصول اضطرابات نفسية بعد ذلك، والله أعلم.
وإما أنه يعكس شعوره أحياناً بالقهر أو الظلم أو العدوان.
وبالنسبة لعدم التكيف مع الأسرة والبيئة، فهناك نوعان من التكيف: عدم تكيف، وسوء تكيف.
أما عدم التكيف فبسبب صدمة نفسية، مثلاً: وجود طفل آخر، ولد له أخ أو أخت فجأة، والاهتمام تحول للثاني، فهذه تعتبر صدمة له، فلا يتكيف مع هذه الحالة، أو تكون هناك مؤشرات على أمور غير سليمة مر بها في الأسرة أو المدرسة أو البيئة.
أما سوء التكيف فينتج عن استمرار الرفض والغضب والعناد والمشاجرة، ويظهر دائماً أن ردود أفعاله انفعالية، ويتفاعل مع الأحداث.
لابد أن نفهم أن غضب الطفل بعد سن الخامسة يأخذ صورتين: الصورة الأولى: إما أن يستخدم المخزون اللفظي، ويعبر بالكلام عن الغضب أحياناً؛ لأنه في الخامسة من عمره أصبحت لديه مفردات لغوية كثيرة يستطيع أن يعبر من خلالها عن مشاعره أو احتياجاته، فيعبر عن الغضب بالألفاظ: يشتم، يهدد، يتوعد، يخرب، يتلف حاجات معينة، يكسر، والتربيون ينظرون إلى هذا على أنه أسلوب سليم، أي: بالنسبة لسلوك آخر في غاية الخطورة، فالطفل الذي يعبر عن مشاعره فهذه ظاهرة شبه صحية وسليمة، لماذا؟ لأنها دليل على وجود طاقة فاعلية بداخل الطفل يفرغها من خلال السب أو الشتم أو الانفعال، والمراد بالشتم بغير الألفاظ البذيئة غير المقبولة منه مع الكبار مثلاً، فاتركه يطلق طاقة الغضب، وحذره من الشعور بالقهر أو الكبت.
فإذا كان الطفل يعبر عن غضبه بأن يكسر شيئاً أو يتكلم بألفاظ معينة لكي يعبر بها عن الغضب، فهذه تعتبر فرصة جيدة كي يقيم المربي جسوراً من التفاهم والتواصل مع هذا الطفل، ويعلمه أن هذه ليست الطريقة السوية التي تعبر بها عن غضبك، وأن هناك طرق أخرى كالتفاهم والشرح ونحو هذه الأمور.
الصورة الثانية: وتكون بعد العاشرة، فإذا استمرت هذه الصفة بعد هذا السن فهذه مشكلة، وصار لا يعبر بالألفاظ عن الغضب والتذمر، بل يقاوم مقاومة سلبية، وهذا في غاية الضرر؛ لأن الطفل يغضب وينفعل لكن تظهر عليه الكآبة السلبية، والانطواء، والانعزالية، وهذا خطر جداً؛ لأنه بعد ذلك لما يكبر يركز على ذاته ويرفض الحياة، ويصبح العناد وسيلة لإثبات الذات إذا لم يستطع إثباتها في هذا السن، فيتخذ وسيلة يحقق بها ذاته من باب: خالف تعرف، وهؤلاء معرضون للأمراض العصبية، وهو سلوك يقوم على الكبت الذي لم يخرج ولم يتحرر، فيهرب دائماً من الحقيقة، أو يهرب من مواجهة الواقع ويتقوقع، وربما هرب إلى أحلام اليقظة ويعيش في الخيالات، ويبتعد دائماً عن الحقيقة، ولا يستطيع أن يواجهها ويتمحور حول نفسه.
فلابد أن يعبر الطفل عن انفعاله بالغضب بوضوح أو بالكلام أو بالأفعال، ويهذب هذا السلوك ويقوم، ونعدل له وسائله في التعبير عما في داخله، فأنت عندما تكون لك حاجة تتكلم عنها بصراحة، ونحن ندرس الموضوع، وما نقدر أن نعمله لك نعمله إلى آخره.
فلابد من وجود نوع من التواصل مع الطفل بحيث يعبر عن انفعالاته ولا يكبتها، ولا يحس بالقهر والكبت والظلم، وفي نفس الوقت نعدل له طريقة التعبير، فنقول: هذه طريقة غير لائقة وغير مهذبة للتعبير عن الغضب الذي في داخلك.