ضرب الأولاد الذي أجازه الشرع يكون دواء؛ لكن إذا كان الضرب نفسه داءً وضرراً ومشكلة، فلا، فبعض الناس كأنه يشعر بالإثم إذا لم يضرب ولده، وكذلك بعض الناس حاله هكذا مع النساء، كلا، الضرب إنما أبيح لضرورة تربوية، إذا أتت بعاقبة حسنة، ولم توجد وسيلة لتقويم هذا الطفل إلا هي.
ثم متى يكون الضرب؟ بعد عشر سنين، يقول النبي صلى الله عليه وسلم:(واضربوهم عليها لعشر سنين).
فنجد بعض الذين يتمسكون بالسنة من الآباء والأمهات يتركون الاهتداء بهدي الشرع في التربية، فيضربون من كان عمره خمس أو أربع سنين أو سبع أو ثمان سنين! كما أننا نجد غلواً في بعض الآباء عندما يضرب الطفل بعد البلوغ، فالمكلف لا يضرب، وإلا فما معنى التكليف؟ أنت تنمي فيه شعور المسئولية، فقل له: الملائكة تكتب عليك الآن كل تصرفاتك، فبالتالي أنت مسئول أمام الله سبحانه وتعالى عن تصرفاتك فعليك أن تنصحه وتوجهه وتجتهد في نصحه، لكن الضرب مع شخص طويل عريض ربما لا يجدي، وكيف تضرب من أصبح رجلاً؟! إن الذي قادنا لهذا الكلام هو: موضوع مساحة الحرية التي تعطى للطفل، فموضوع الغلو في الاهتمام بالتربية قد يوصل إلى مستوى الوسوسة من بعض الآباء، ويجعل كل همه طوال النهار هذا الطفل؛ بحجة أنه يريد أن يحسن تربيته، وإذا تكلم فإنه يعلق عليه ويوبخه، وإذا تصرف كان وراءه مثل الظل، فهذا كيف يتحمله ولده؟! فالشاهد أنه لابد من وجود مساحة حرية للطفل، وأحياناً كثيراً نتغاضى عن الأخطاء، بدون التعليق على كل خطأ والنقد لكل شيء؛ لأنك بهذا تفقده الثقة بنفسه، فلابد من مساحة حرية للطفل تتيح لشخصيته أن تتبلور وتتكون.
فالكبت والقهر الدائم له آثاره كما قال الشاعر: وإذا ملكت نفوساً تبغي رضاها فلها ثورة وفيها مضاء يسكن الوحش في الوثوب من الأسر فكيف الخلائق العقلاء ومن شروط ضرب الأولاد أن الإنسان لا يضرب ولده وهو غضبان، ولا يجوز للمربي أن يضرب وهو غضبان أبداً.
ويكون الهدف من الضرب التأديب، لا كما يحصل من الذين يدعون أنهم يتبعون السنة في الضرب، وعندما يضرب وهو غضبان يفرغ شحنة الانفعال التي أوجدها تصرف الطفل في قلبه، فهو من غيظه وشدة غضبه وانفعاله من تصرف الطفل يلجأ للضرب، فعليه أن يعالج نفسه لا الطفل، فهو يدمر الطفل؛ لأنه إذا ابتدأ بالضرب لا يرفع يديه حتى تنتهي الشحنة كلها! وهذا انحراف في الهدف التربوي؛ فلا يضرب الإنسان وهو غضبان.
من آداب الضرب أن الطفل إذا ذكر الله تتوقف عن ضربه؛ حتى تغرس فيه أنك تخضع لاسم الله سبحانه وتعالى وتعظمه.
أذكر مرة أني كنت في أحد الدروس، وكنت أتحدث عن موضوع الضرب وضوابطه، ولما انتهيت من الحديث أتاني طفل صغير وصافحني، وقال لي: جزاك الله خيراً يا شيخ! ثم قال لأبيه بلغته: شايف الشيخ بيقول إيه؟! فالشاهد: أن اتباع السنة والاقتداء بهدي الشرع الشريف لا يتجزأ، لا نأخذ البعض ونهمل البعض، ونخالف ونتعلل بالسنة، فالضرب شيء له قواعده عند الضرورة، وبعد سن معينة، وإذا كان لا يضرب على الصلاة، فهل هناك أهم من الصلاة؟! كيف تضربه لأنه كسر كوباً، أو سكب اللبن، أو ضرب أخاه؟ هذه لا تصل لمستوى ترك الصلاة، وإذا كانت الصلاة لا يضرب عليها قبل العاشرة، فكيف يضرب على ما سواها قبل العاشرة؟! بعض الناس بتربيته السيئة فتح الباب لبعض العلمانيين والملاحدة من أعداء الإسلام فشنعوا على المسلمين عملية ضرب الأطفال.
الشاهد: لابد أن تعلم أن طفلك ليس أنت، وكل الخطورة أنك تقيس تصرفاته بعقلك أنت، فأنت وأنت صغير كنت ترتكب نفس الأخطاء، وهنا قاعدة مهمة: وهي أن الابن الذي يُضرب لابد أن يضرب أولاده حتى لو كان ساخطاً على سلوك أبيه، ويحصل هناك نوع من التقمص والتوحد مع المعتدي، فيسلك نفس السلوك فيما بعد لأن هذا شيء مضطرد بالاستقراء، فغالباً يصدر منه نفس الشيء، ويجني على أولاده بنفس هذا السلوك.