[توجيهات مباشرة للوالدين في التعامل مع الأطفال المعاندين]
أول الأمور التي ننصح بها الوالدين في التعامل مع الطفل العنيد: الهدوء والاتزان ما أمكن أثناء عناده أو غضبه، فمن الخطأ الشديد جداً الغضب على الطفل حينما تأتيه نوبات الغضب، ويرمي بنفسه إلى الأرض، ويضرب رأسه بالحائط، وهي نوبة لابد أن تأخذ وقتها، وكأنه يقول لك: أنا أريد أن أوقف البكاء لكن لا أستطيع، هي نوبة مثل نوبة الصرع تماماً تنتهي بمرور زمن معين، فعندما تأتيه نوبة الغضب بهذه الطريقة اتركه تماماً، ويفضل أن تعزله في مكان بعيد أو غرفة بعيدة، وتتركه حتى تذهب النوبة.
فمواجهة الغضب بغضب يولد مشكلة كبيرة جداً فضلاً عن الضرب والإهانة إلى آخره، وفي هذه الحالة لا يحاول الأب أن يتفاهم معه أثناء الغضب، والتكلم معه لابد أن يكون بمنتهى الهدوء والاتزان أثناء العناد والغضب.
أيضاً تفهمه أن هذا أسلوب غير سليم للتعبير عما في داخله؛ لأنه لم يعدل طريقة التعبير عما يضايقه، وهذا يكون بلغة مناسبة، كذلك عندما تقول له: هذا ليس الأسلوب الصحيح، وتطرح عليه الأسلوب البديل، والإصرار عليه أن هذه هي الطريقة الصحيحة، فتجعله يعبر بحرية عما بداخله، وتبين له أنه ليس هناك مكافئة له إلا بعدما يظهر السلوك الحسن المطلوب.
أيضاً: يجب أن يتخلى الوالدان عن العصبية والقلق والعناد على الأقل أمام الأولاد لئلا يقلدوهما.
أمر آخر مهم جداً: علاقة الأب أو الأم بالطفل وتدخله في حياته، لابد من التدخل، لكن يكون تدخلاً مرناً.
أيضاً: المشاكل الزوجية أثرها سيء على نفسية الأطفال، خصوصاً حين الكلام على الانفصال أو الطلاق مما يهدد إحساسه بالأمان والاستقرار.
أيضاً: التدخل المبالغ فيه في حياة الطفل خطأ شديد جداً، بالأوامر الصارمة، وبالنقد والتوبيخ المستمر، والتحقير، والتدخل كالكابوس في كل تصرف للطفل، وانعدام مساحة للحرية.
لابد من التدخل المرن، والمرونة والحوار والتفاهم والتوجيه والنصح، أنت تريد منه طاعة عمياء، والطاعة العمياء تخرج شخصية غير سوية، وتخرج إنساناً لا شخصية له، يحتاج الطفل أن يربى على هذا المنهج حتى ينمو بطريقة سليمة، فحتى يكون طفلاً مؤدباً لا يلزم بطاعة عمياء؛ لأن هذا تكليف بما لا يطاق، ويلغي شخصيته ويشوها بعد ذلك.
أيضاً من وقت لآخر نحقق رغباته المشروعة بطريقة مناسبة، وتشجيعه على الاختلاط بأقرانه المناسبين.
نقطة مهمة أخرى: عدم التشهير بالطفل أمام الآخرين: أحياناً يظل الطفل حديث العائلة والتلفونات والزيارات، وإذا جاء الضيوف اشتكى الوالدان من الطفل أمامهم، مثل أنه يبلل الفراش أو شيئاً من هذا القبيل، ويذكرا أشياء تجرحه جداً، وتقال على الملأ، وتصبح حديثاً مشاعاً أمام الضيوف أو الأقارب أو الأصدقاء، ويناقشا بعض أخطائه أمام هؤلاء الآخرين.
لابد أيضاً من تدريبه على حل مشاكله بنفسه، ولابد أن يوجد في البيت نوع من التسامح والتعاون.
توحيد السياسة التربوية للوالدين؛ فلا يوجد تعارض منهم في الناحية التربوية، بل المعاملة من الأب والأم معاملة ثابتة وفق معايير مقننة متفق عليها مسبقاً، فلا يأتي واحد يمنح والثاني يمنع، لا يثيب الأول والثاني يعاقب على نفس الفعل؛ لأنه يسبب الارتباك للطفل، فاختلاف أسلوب التربية يلجئ الطفل إلى الغضب كوسيلة ليخضع بها الآخرين لنزواته، ثم إنه يحول بينه وبين الاتزان النفسي؛ لأن الطفل لابد أن يتعود على قبول المعايير الاجتماعية، وقبول النظام، ليس كل ما يريده يأخذه أو يغضب، فلازم أن يعلم أن هناك معايير تحكمنا في سلوكياتنا، فالتدليل المستمر يعلمه فقط الاستجابة الطفلية البدائية للرغبات، فيفهم أن الحياة أخذ وأخذ، فيعيش دائماً معتمداً على الآخرين؛ فهم الذي يقومون بكل شيء، وهم الذين ينفذون له رغباته، ويقولون: سمعنا وأطعنا.
أيضاً تعدد سلطات الضبط والتوجيه، كما لو كان يعيش ضمن أسرة كبيرة، فالأم تمنع، والجدة تمنح، والأم تعاقب، والجدة تحتضنه إلى آخره، فمثل هذه الأشياء مع تعددها تسبب له الارتباك والغضب والعناد، الأب يمنع والأم تدلله، تقول: تعال يا حبيبي أنا أحضره لك إلى آخره، فهذا في الظاهر حسن، والحقيقة أنه ارتباك في السلطات التربوية المتعددة المتناقضة، فيحاول الطفل أن يسيطر على هذه البيئة عن طريق نوبات الغضب والعناد.
والتدليل المستمر هو عبارة عن إجابة لكل طلباته المهمة أو غير المهمة، فينشأ أنانياً، لا يرى إلا نفسه فقط، ثم يتوقع نفس المعاملة من البيئة لما يخرج إلى المدرسة مثلاً أو نحو هذا، فإذا منع تحصل له صدمة قاسية ويزيد في العناد والتوتر.
الخلاصة: أن التدليل المستمر والمبالغ فيه يعيق الأطفال عن التأهل لمواجهة الحياة ومصاعبها، ويحرمه من فرصة أن يتعلم كيف يكبح رغباته، من ثم نقول: من وقت إلى آخر لا بد من الإحباط المحدود، وليس الإحباط الجامد حتى لا نظلمه، فهذا يفيد أنك تتعمد تأجيل إشباع بعض رغباته إلى الوقت المناسب، فتقول: أنا حالياً مشغول، فإذا فرغت منه مثلاً أصحبك إلى المحل، أو أول الشهر سأحضر لك اللعبة، لماذا؟ لكي تعوده التأجيل من تنفيذ رغباته؛ لأن التأجيل بحد ذاته نوع من الكبح، والصرامة تكون قوية، فيتكيف تكيفاً سليماً مع البيئة لما يجد أن البيئة الخارجية كلها لا تحقق طلباته؛ نتيجة المعايير الاجتماعية، فعندها يستطيع أن يتحكم في رغباته.
فإذا تكرر الفشل في الحصول على كل هذه الرغبات فإن هذا يقوي فيه جهاز المناعة النفسية، أو يكون سبباً في نجاحه وتكيفه مع ذاته.
وأنا في الحقيقة أتحرج من الكلام في الحاجات الطبية أو النفسية في المسجد، وقد تعودنا أننا نتكلم عن الآيات والأحاديث، لكن يبدو أن القضايا الحياتية أحياناً نحتاجها، ونشعر من خلال بعض الأمثلة والمشاكل أن بعض الناس محتاجين إلى هذا، فأرجو من كان مقتنعاً بهذا الكلام أن يسامحنا في إهلاك الوقت، ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفقنا جميعاً إلى ما يحبه ويرضاه.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم، سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، نستغفرك ونتوب إليك.