للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[آداب إدخال الأطفال المساجد وتحبيبها إليهم]

لابد من تعويد الطفل على صلاة الجماعة منذ الصغر لكي يتعلق قلبه بالمساجد، وهناك يتعرف على العلماء ويمارس عملياً آداب الإصغاء في مجالس العلم.

هذا وإن الحرص على مشاركة الكبار في أفعالهم ميل طبيعي عند الطفل؛ فليستثمر في هذا الموضع، لكن ينبغي أن يكون الطفل عارفاً بآداب المسجد، ويحافظ على المسجد من التلويث أو النجاسة أو اللغو والتراب ونحو هذه الأشياء.

نعم هناك أحاديث تدل على أن الأطفال كانوا يتواجدون في المسجد، لكن أطفال الصحابة ما أظن أنهم كانوا مثل أطفالنا، فالذي يعرف آداب المسجد هو الذي يأتي إلا لضرورة استثنائية، لكن لا يجوز أن نحول المسجد إلى دار حضانة، نسمع فيه الصراخ والصياح وصور لا تنتهي من القذارة وتلويث المسجد، وهذا نوع من التعسف في استعمال حق إدخال الأطفال في المساجد، فنكون بهذا قد بدأنا من حيث انتهى الشرع.

أعني أن الرخصة تتوقف عند حد معين، ونحن نأتي عند الحد الأقصى ونجعلها نقطة انطلاق إلى الإفراط في استعمال هذا الحق، فالأطفال يجب أن يكونوا معروفين بعدم اللعب أو من النوع الذي يسبب ضوضاء وأذية للمصلين، أو يعبث في أجهزة المسجد أو نحو ذلك، فلا بد أن يلقن أولاً آداب المسجد؛ فإن اطمأن إلى ذلك أحضره إلى المسجد.

كذلك قبل أن يحضره إلى المسجد يهيئه؛ لأن الطفل يظل عنده نوع من الخوف الاجتماعي، ويخاف أن يلاقي الناس بمكان واسع مثل المسجد، فربما يحصل له نوع من الخوف ويبكي ويصرخ، فلابد أن يحصل نوع من التهيئة قبل أن نذهب به إلى المسجد، ويوصف له المسجد على أنه بيت الله سبحانه وتعالى، ومكان واسع وجميل، ونظيف وله رائحة طيبة، وفيه كذا وكذا تصف له المسجد، وتقرن لون المسجد بكل شيء جميل، وبأشياء محببة إليه، مثلاً: اشتر حلوى من جنب المسجد، فأدخل كلمة المسجد واقرنها بالحاجات التي يحبها.

مثلاً: وأنت تمشي تقول له: انظر إلى هذا المبنى الجميل، هذا هو المسجد، وأنا قريباً سوف آخذك معي لتصلي فيه، هذا نوع من التدرج قبل أن يأتي إلى المسجد.

كذلك يمكن تهيئة جو المسجد قبل اصطحابه، فلا مانع أبداً أن يتفق مع الإمام والمؤذن وبعض المصلين من الجيران لترتيب الوضع؛ لأنهم أطفال اليوم ورجال الغد، ويبدأ التربية من هذه السن الباكرة؛ فهي أعمق أنواع التربية، فما دمنا محتاجين إليهم فنتذلل إليهم ونتحايل عليهم ونحاول أن نكسبهم، لأنهم هم المستقبل، فصغار اليوم سيصبحون كبار الغد؛ لأن الأمة محتاجة إلى هؤلاء الأطفال، لأنهم هم المستقبل حقيقة، فبالتالي ما المانع أن يحصل هذا التواطؤ بين الأب والإمام والمؤذنين وبعض المصلين أنه إذا حضر معي هذا الطفل فإنهم يحتفون به، ويلاطفوه، وكذا بعض الناس من كبار السن نلاحظ أن عندهم ذوقاً، فدائماً يكون معهم (شكولاته أو حلويات) للأطفال، فعندما يرى أحدهم الطفل في المسجد يعطيه حلوى، فهذا نوع من التلطف المراد في أهل المسجد، فيتواصوا أنه إذا حضر الطفل لاطفوه ليحس بالأنس فيطمئن إلى أهل المسجد ورواده؛ لأن الاهتمام به في أول مرة يدخل فيها المسجد سوف يوقع في نفسه شأن تعظيم الصلاة.

كذلك إذا كان الإمام ممن يطيل الصلاة إطالة تخالف السنة ينبه على عدم الإطالة.

كذلك يربط الطفل في المسجد بحلق تحفيظ القرآن الكريم، وتجويده بالتعاون مع إمام المسجد؛ لأن المساجد الآن هي الحصن الأخير الذي حفظه الله من كل سوء، والذي يمكن أن نصحح فيه الأخطاء التربوية في السهام الموجهة للأطفال والأبناء في المدارس والإعلام والمجتمع إلى آخره.

كذلك يهتم بترسيخ ارتباطه بالمسجد وأهله عن طريق ممارسة أنشطة نافعة ومسلية للأطفال.

كذلك يعظم دائماً أمامه صلاة الجمعة ويحدثه عن آدابها، وأحكامها، وضرورة احترامها وتوقيرها، لكن لا يحمله ما لا يطيق من أمر صلاة الجمعة؛ لأن صلاة الجمعة تطول فيها الخطبة والصلاة؛ فممكن مع الوقت أن يمل الطفل، وقد يصعب عليه أن يحافظ على الطهارة فهو يريد أن يلعب.

وللأسف الشديد في هذا الزمان يندر جداً أن نرى من يتمسك بالسنة، حتى الذين ينتمون إلى السنة والسلفية فالسنة ينبغي احترامها، ومن السنة تقصير الخطبة وإطالة الصلاة، والذي يحصل الآن للأسف الشديد أن تتحول الخطبة وكأنها محاضرة طويلة فيها مشقة فعلاً على الناس، فخطبة الجمعة لابد أن يشتهر ويتميز الخطيب بأنه يقصر الخطبة ويطيل الصلاة، فإذا فعل ذلك عرف الناس أن هذه هي السنة، وليست السنة أن تطيل الخطبة كما يحصل ويشق على المصلين.

روي أن أبا هريرة رضي الله عنه دخل مرة المسجد يوم الجمعة فوجد غلاماً، فقال له: يا غلام! اذهب للعب، قال: إنما جئت إلى المسجد، قال: يا غلام اذهب للعب! قال: إنما جئت إلى المسجد، قال: فتقعد حتى يخرج الإمام قال: نعم، يعني: بدأ بالتخفيف لكيلا يكلفه بصلاة الجمعة دون سن العاشرة بل يرغبه ولا يرهبه، فإن أقبل عليها وإلا تركه وشأنه مرفهاً حتى يبلغ العاشرة أو ما قبلها بقليل فيبدأ معه بالإلزام.

كذلك يتحرى الأب اختيار الخطيب؛ لأنه بخطبته ومسلكه عميق التأثير في أخلاق الأولاد خاصة إذا فهموا الخطبة وعقلوها، ولا بأس أن يسألهم بعد الخطبة عن موضوع الخطبة، وما استخلصوه من الفوائد، ويحثهم قبل الدخول على حسن الإنصات، ويبين لهم أنه سوف يسألهم عن مضمون الخطبة بعد الصلاة؛ لاستدعاء تركيزهم أثناء الخطبة.

إذاً: هذا فيما يتعلق بتنبيهات بشأن تربية الأبناء على المحافظة على الصلاة؛ لأن الأطفال كما ذكرنا هم مستقبل الأمة المتمثل في هؤلاء الأبناء وأفلاذ الأكباد.

يقول الشاعر: لا بد من صنع الرجال ومثله صنع السلاح وصناعة الأطفال علم قد تكفله أولو الصلاح من لم يلقن أصله من أهله فقد النجاح لا يصنع الأطفال إلا في مساجدنا الفساح في روضة القرآن في ظل الأحاديث الصحاح شعب بغير عقيدة ورق يذريه الرياح من خان حي على الصلاة يخون حي على الكفاح وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

<<  <  ج: ص:  >  >>