[موقف الآباء من تشاجر الأبناء]
ما الذي ينبغي أن يفعله الأبوان في موقف التشاجر بين الأشقاء؟ نقول أولاً لكل أم: عفواً أيتها الأم، نحن نقدر أن ما يهمك كأم هو ما يجب أن تفعليه في هذا الصدد -أعني صدد حل مشكلة الشجار بين الأبناء- فمعذرة إذا كان الجواب هو أن ما تستطيعين فعله قليل جداً، إن الخصام والجدال والصراع أمور قد تستمر إلى أن تحلها الأيام وحدها، بجانب أن لكل أسرة وضعها الخاص المختلف عن أوضاع غيرها من الأسر، مما يجعل من الصعب إعطاء نصائح عامة، لكن يمكن تقديم بعض الاقتراحات القليلة: أولاً: بعض الآباء في بيوتنا يقومون بدور الحكم بين أولادهم كآباء، ويتحول البيت إلى حلبة ملاكمة، والواقع أنه لابد أن يبقى هناك بعض الصراع والخلاف بين الأبناء، ولا بد أن يدرب الآباء أنفسهم على أن يكونوا أحياناً متفرجين وأن لا يتدخلوا كحكام، والمثل العامي يقول: إن قاضي الأولاد شنق نفسه.
ثانياً: من غير المعقول أن يظل الآباء باستمرار في موقف المتفرج، لابد في لحظة معينة أن يتدخلوا حتى يوقفوا المعارك التي تنشب بين أولادهم، ومن الطبيعي أن لا يستطيعون دائماً الغوص إلى أعماق كل مشكلة وكل خلاف، وأن يحلوا تلك الخلافات بميزان العدالة الدقيق، إنما المسألة تحتاج من الآباء إلى شيء كبير من التعقل في مواجهة الأمر، وتحتاج أيضاً إلى أن يدركوا بعض الأمور في مجال الخلافات بين الأبناء.
بداية يجب أن لا يكونوا مراقبين لكل صغيرة وكبيرة تصدر عن الأبناء، ويكفي أن يكونوا ملاحظين بشكل غير مباشر دون التعليق أو التدخل في اللعب، إلا إذا وجدوا الأبناء قد خرجوا عن القواعد، وحينئذ يمكن للآباء أن يقترحوا شيئاً بناءً بديلاً للشيء المختلف عليه أو أكثر إثارة منه، وأن لا يتعجل الأب أو الأم فيبادر بالانحياز لصف المعتدى عليه؛ لأنه يحتمل أن يكون هو البادئ في الحقيقة، وعلى الرغم من أن هناك دائماً سبباً وراء أي عدوان مثل الحسد أو عدم الاطمئنان أو الضيق النفسي فلا داعي لأن نبحث في أثناء الصراع عن حقيقة السبب.
ولكي تحل المشكلة فعلينا أولاً أن نقضي على الخلاف، ثم نبعد الأبناء بعضهم عن بعض دون أن نشعر أياً منهم بأنه مخطئ ومتهم، بعدها نستطيع أن نعمل تحقيقاتنا ونعمل كوكيل النيابة، ولابد أن نتذكر أنه ليس أسهل على الطفل من أن يلصق بصديقه أو أخيه أشنع التهم، ويتفوه بأبذأ الألفاظ لأي سبب ولأي مناسبة.
المهم أن لا تظل هذه الألفاظ عالقة بأحد؛ لأنها من الممكن أن تلصق به، ويصبح من الصعب التخلص منها، وربما لو تكررت حاول صاحبها تأكيدها، فحينما يقال له -مثلاً-: أنت كاذب.
يكذب ما دام باستمرار يتهم بالكذب سواء صدق أو كذب، فيرى في نفسه أنه لماذا يصدق.
ومن المهم جداً أن ننبه الكبار من الأبناء أن لا يؤذي الصغار، وأن ننبه الأبناء أن لا يضايقوا البنات، وفي نفس الوقت لابد أن ننبه على عدم إثارة الصغار للكبار، وأن لا نجعل البنات يغضبن الأولاد حتى يسود الاحترام بين الجميع.
ولابد أن يتوقع الآباء أن يظل الأبناء حريصين على اللعب مع بعضهم على طول الخط، وعلى قدر المساحة المتاحة لهم في البيت، بل لابد أن يبتعدوا عن بعضهم قليلاً، وأن نجعل الأولاد سعداء لأنهم أولاد، والبنات فخورات لأنهن بنات، وكل له مميزاته، وفي نفس الوقت لابد من أن يكون عندنا مقترحات لهم لتستنفد طاقاتهم الزائدة، ويشعر الأولاد أنهم محبوبون بنفس القدر، لكن بشكل مختلف، بهذه الطريقة يسود التفاهم جو الأسرة، ولا يكون الأبناء مصدر مشاكل مستمرة في البيت.
أيضاً ينبغي أن يحرص الوالدان على التدخل بأقل ما يمكن في المشاجرات بين الإخوة التي لا تتعدى كونها أمراً طبيعياً إذا كانت مقرونة من ناحية أخرى بمظاهر الود والتعاون فيما بينهم.