[أسباب التشاجر]
فلننظر الآن في أسباب هذا التشاجر بين الأشقاء، وأشرنا آنفاً أن التقارب في السن ربما يكون من هذه الأسباب، والطفل الأكبر كثيراً ما يحاول السيطرة على إخوته فيتشاجرون، كما أن الأطفال الأولاد عادة ما يحاولون السيطرة على البنات، والطفل الناجح يلجأ عادة إلى تعيير الطفل غير الناجح في دراسته، فيتشاجروا، أو قد يعير الأطفال بعضهم بعضاً بلون الشعر، أو شكل الجسم، أو بما يملكه طفل ولا يملكه قرين له، وكثيراً ما يتحد بعض الإخوة ويكونون عصبة ضد أخ آخر خصوصاً لو كان مدللاً مقرباً من الوالدين لصغره، أو لوسامته، أو لمرضه، أو لشدة ذكائه، أو لرقته، إلى غير ذلك من الأسباب، فيتشاجرون.
وكثيراً ما يتشاجر الأطفال للامتلاك أو للاستحواذ على بعض اللعب أو الأشياء في المنزل، أو لو اعتدى طفل على ملكية الآخر أو لعب بكتبه أو أدواته أو ملابسه أو غير ذلك، لكن نستطيع أن نجمل الأسباب التي تؤدي إلى التشاجر، والتي تنبع عن الغيرة وتنتج العدوان نحو بعضهم فيما يلي: بداية يعتمد الأطفال على والديهم اعتماداً كبيراً للحصول على المحبة والانتباه وإشباع الحاجات، بحيث لا يحبون أن يشاركهم في ذلك أي بشر، وقد يؤدي تفضيل أحد الأبوين طفلاً على غيره إلى إيقاد شعلة الغيرة لدى الأطفال الآخرين، ويذكر في هذا المجال أن مقتل هابيل من قبل أخيه قابيل كان بسبب الغيرة الناجمة عن التفضيل الصادر من الأبوين، والغيرة عبارة عن شعور غير ناضج يتعرض له الطفل، وينتج عادة من خيبته في الحصول على أمر محبب له، ونجاح شخص آخر في الحصول عليه، ولهذا نجد أن انفعال الغيرة انفعال مركب من حب تملك وشعور بالغضب؛ لأن عائقاً ما حال دون تحقيق غاية هامة.
والحقيقة أن الغيرة وما يترتب عليها من الشعور بالنقص أو بالقلق أو باضطهاد الكبار كلها يتسبب فيها الآباء، وتؤدي إلى نشوب المعارك بينهم، ويحصل استنفاذ الطاقات في محاولة حل هذه المشاكل ليعود الهدوء إلى البيت.
قد تأخذ أم لعبة طفلها الأول وتعطيها لطفلها الثاني على أساس أنه كبر عن اللعب بهذه اللعبة، لكن الطفل الأول لا ينظر إلى هذا التصرف على أنه أمر طبيعي، ولكنه ينظر إليه من زاوية أخرى، فلقد استولت أمه على شيء عزيز على نفسه لتعطيه لأخيه، فينتهز أقرب مناسبة لاستثارة غضب هذا الأخ، وتبدأ المعركة.
إحدى الأمهات اكتشفت خطأها عندما فعلت ذلك، وأعادت اللعبة إلى طفلها الأول مع رسالة تضمنت عبارات تعترف من خلالها بشعوره، قالت: ابني العزيز علي! لقد أدركت عندما أخذت لعبتك وأعطيتها لأخيك أني قد أخطأت في حقك؛ لأني لم أستأذنك في ذلك، ولم أكن أعلم أنها تعني الكثير بالنسبة لك، أنا آسفة، سأعيد إليك لعبتك.
احتضن الابن أمه في اليوم الثاني قائلاً في سرور: أشكرك يا أمي لأنك أعدت لي لعبتي.
أحياناً يحصل الشجار بين الأشقاء على أنه حيلة دفاعية نفسية، وهي ما تسمى بالإزاحة، حيث يتم تحويل مشاعر العدوان نحو الأبوين إلى الإخوة الصغار، فالطفل يشعر بمشاعر عدوانية تجاه الأبوين أو أحدهما، ولا يستطيع أن يخرج ذلك بصورة صريحة في مواجهة الأبوين، فيزيح هذه المشاعر العدوانية إلى إخوته الصغار.
قد تتضمن تصرفات الإخوة تعبيراً عن نبذ الأبوين غير الشعوري، أو عدم محبتهما للطفل الأصغر، وحينما يكون أحد الإخوة متدني الإمكانيات في أحد المجالات بالنسبة لأخ آخر قريب منه في العمر ومن نفس الجنس فإن الطفل الأقل في إمكانياته يميل إلى إظهار عدوان أكثر تجاه الآخر من بين الأشقاء؛ لأنه يعيش في ظل إنجازات آخر موهوب، وعندها فإنه يشعر بأنه قد فقد فرضيته، ويحس بأن كل أعماله ومنجزاته تقارن مع أعمال ومنجزات أخيه.
إن المطلوب منا أن لا نركز على المنافسة بين الإخوة بشكل ملح ودائم، ولا داعي لأن نقول في كل دقيقة: انظر كيف أن أخاك مجتهد فعل كذا.
أو: اعمل كأختك المهذبة.
فهذا النصائح التي هي من هذا اللون ليست هي الأمر المطلوب؛ لأن التركيز هنا لا يكون في الواقع على الاجتهاد أو الأدب الذي يتحلى به الأخ أو الأخت، إنما يكون على التفوق، وهذا يبعث على عدم الرضا في نفس الشخص الذي توجه إليه النصيحة، وعدم الارتياح تجاه أخيه، ويجعله ينسى موضوع النصيحة، ويمكن أيضاً أن يظن أننا منحازون إلى الأخ أو الأخت فيزيد ضيقه، وأحياناً يتخيل أن كلامنا هو لون من المعايرة له بتخلفه في الدارسة، أو التصرف غير الصحيح منه؛ لأن المقارنة يمكن أن تذكي نار المنافسة في كل مجال؛ لأن كل همنا ليس إيجاد اثنين متصارعين وأيهما يغلب الآخر، فنقول: انظر! إن أخاك أقوى منك.
وانظر! إن أختك مؤدبة أكثر منك.
ألا تكون كأخيك الذي يفعل كذا وكذا.
ليس الهدف هو إيجاد شخصين متصارعين، وإنما إيجاد أخوين تجمعهما الأخوة بكل ما تعنيه الكلمة.
وينبغي أن يراعى أن التغيرات العمرية لها أثر في حصول الانسجام، فقبل سن الخامسة عشرة سنة لا يحصل الانسجام بين الإخوة والأشقاء بالقدر الذي يرغب فيه الأهل، فينبغي الانتظار حتى بلوغ هذا السن، وكما ذكرنا تنمو الروح الأخوية والحب المتبادل بينهما وتنضج على نار هادئة.