اعلم أنه تدافع هذه المسألة دليلان، وهما حديث:(لا يبولن أحدكم في الماء الدائم)، وحديث (إن الماء إذا كان قلتين لم يحمل الخبث) ووجه الرواية المذكورة هي تخصيص عموم الثاني بالأول.
والصواب أن هذين الحديثان بينهما عموم وخصوص وجهي، وتخصيص عموم أحدهم ليس بأولى من العكس، وإيضاح ذلك كالتالي:
الحديث الأول عام في الماء القليل والكثير، وخاص بالبول، والحديث الثاني عام في كل الخبث من بول أو غائط، أو حيض أو ميتة، وغير ذلك، خاص بالقلتين، وما فوقه.
ولو خصصنا عموم حديث النهي عن البول بحديث القلتين لكانت النتيجة هي أن النهي عن البول أصبح خاصا بالماء القليل دون الكثير عملا بخصوص حديث القلتين، ولو خصصنا عموم حديث القلتين بالنهي عن البول، لكانت النتيجة: أن الماء الذي يبلغ قلتين وأكثر لا يحمل من الخبث إلا البول، وهذه هي الرواية المشهورة عن الإمام أحمد.
[تنبيه:]
اعلم أننا لو اخترنا ترجيح التخصيص من أحد الوجهين فقط لكان تخصيص عموم الأول بالثاني أولى من العكس بمعنى أنه يكون الأقرب أن نخصص عموم حديث النهي عن البول في الماء الدائم بالماء الكثير فيكون النهي خاص بما دون القلتين، وذلك لأن الإمام أحمد خصصه بما يشق نزحه وجعل النهي خاصا بما لا يشق نزحه، وهذا تخصيص بالرأي، والأولى منه التخصيص بالحديث.
قال ابن قدامة في "المغنى"(١/ ٣٠): (حديث أبي هريرة - أي حديث النهي عن البول في الماء الدائم - لا بد من تخصيصه، بدليل ما لا يمكن نزحه، فيقاس عليه ما بلغ القلتين، أو يخص بخبر القلتين، فإن تخصيصه بخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - أولى من تخصيصه بالرأي والتحكم من غير دليل).