- وأما عدم الإعادة في مسألة الشك في القبلة؛ فلأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يأمر بإعادة الصلاة في هذه الحالة وقد رخص في ترك استقبال القبلة في حالة الخوف والنافلة في السفر، بخلاف مسألتنا هذه فالقبلة ما يتوجه إليه بظنه، ولو بان له يقين الخطأ لم يلزمه الإعادة كما دلَّ الدليل على ذلك، بخلاف مسألتنا.
- وأما المتغير من غير سبب يعلمه، فيجوز الوضوء به استنادا إلى أصل الطهارة، وإن غلب على ظنه نجاسته، ولا يحتاج إلى تحر. وفي مسألتنا عارض يقين الطهارة يقين النجاسة، فلم يبق له حكم، ولهذا لا يجوز استعماله من غير تحر.
- وأما حديث ابن مسعود - رضي الله عنه - فهو معارض بحديث أبي سعيد - رضي الله عنه - الذي رواه مسلم وفيه:(إِذَا شَكَّ أَحَدُكُمْ فِي صَلَاتِهِ، فَلَمْ يَدْرِ كَمْ صَلَّى ثَلَاثًا أَمْ أَرْبَعًا، فَلْيَطْرَحِ الشَّكَّ وَلْيَبْنِ عَلَى مَا اسْتَيْقَنَ) ويحمل حديث ابن مسعود على وجود قرائن قوية ترجح أحد الاحتمالات بخلاف الترجيح بمجرد كثرة عدد الآنية وعدم التمييز بينها بما يرجح إمكانية استخدام الطهور.
[أدلة من قال لا يجوز التحرى:]
- قال بن قدامة في "المغنى"(١/ ٤٥): (ولنا أنه اشتبه المباح بالمحظور، فيما لا تبيحه الضرورة، فلم يجز التحري، كما لو استوى العدد عند أبي حنيفة، وكما لو كان أحدهما بولا عند الشافعي، فإنه قد سلمه، واعتذر أصحابه بأنه لا أصل له في الطهارة. قلنا: وهذا الماء قد زال عنه أصل الطهارة، وصار نجسا، فلم يبق للأصل الزائل أثر، على أن البول قد كان ماء، فله أصل في الطهارة، كهذا الماء النجس).
ومما ذكره الشيخ العثيمين - رحمه الله - في " الشرح الممتع"(١/ ٦١) استدلالا لهذا القول (١): (إن اشتبه ماء طهور بماء نجس حرم استعمالهما، لأن اجتناب النجس واجب، ولا يتم إلا باجتنابهما، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، وهذا دليل نظري.
وربما يستدل عليه بأن النبي صلى الله عليه وسلم قال في الرجل يرمي صيدا فيقع في الماء: «إن وجدته غريقا في الماء فلا تأكل، فإنك لا تدري، الماء قتله أم