ويرفع به الدرجات؟ قالوا بلى يا رسول الله قال إسباغ الوضوء على المكاره وكثرة الخطا إلى المساجد وانتظار الصلاة بعد الصلاة فذلكم الرباط).
وقد فسر ابن الأثير في "النهاية" المكاره بقوله: (هي جمع مَكْره وهو ما يكرهه الإنسان ويشق عليه والكره بالضم والفتح المشقة والمعنى أن يتوضأ مع البرد الشديد والعلل التي يتأذى معها بمس الماء ومع إعوازه والحاجة إلى طلبه والسعي في تحصيله أو ابتياعه بالثمن الغالي وما أشبه ذلك من الأسباب الشاقة).
قال ابن القيم في "الوابل الصيب": (ص/١٢): (لله تعالى على العبد عبودية الضراء، كما أن له عبودية في السراء، وله عبودية عليه فيما يكره كما له عبودية فيما يحب وأكثر الخلق يعطون العبودية فيما يحبون والشأن في إعطاء العبودية في المكاره ففيه تفاوت مراتب العباد وبحسبه كانت منازلهم عند الله تعالى فالوضوء بالماء البارد في شدة الحر عبودية ومباشرة زوجته الحسناء التي يحبها عبودية ونفقته عليها وعلى عياله ونفسه عبودية هذا والوضوء بالماء البارد في شدة البرد عبودية وتركه المعصية التي اشتدت دواعي نفسه إليها من غير خوف من الناس عبودية ونفقته في الضراء عبودية ولكن فرق عظيم بين العبوديتين فمن كان عبدا لله في الحالتين قائما بحقه في المكروه والمحبوب فذلك الذي تناوله قوله تعالى: (أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ)[الزمر: ٣٦] ... ).
وليس مقصود ابن القيم من قوله:(والوضوء بالماء البارد في شدة البرد عبودية) أن العبد يتقصد المشقة بل يحمل قوله على عدم وجود غير هذا الماء، وأن المشقة التي يتعرض لها العبد من التطهر به لا يترتب عليها ضرر بدني، وقد أقر النبي عمرو بن العاص - رضي الله عنه - على أنه يتمم خوفا على نفسه من الهلاك إن اغتسل في البرد الشديد.
وقد كنت بحثت مسألة هل في التكاليف مشقة وهل يجوز تقصدها في شرحي لمختصر الأصول، وخلاصة ما قلته هناك.
[هل يصح إطلاق لفظ التكاليف على جميع الأحكام الشرعية؟]
اختلف العلماء في حكم إطلاق لفظ التكاليف على جميع الأحكام الشرعية على قولين، ومن قال بالمنع إنما يتجه قوله لوصف جميع الأحكام الشرعية بأن فيها