ما ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه طهر قليل النجاسة بقليل الماء كما في حديث بول الأعرابي، وفيه دليل على أن الماء القليل الذي خالطته نجاسة ولم تغير أحد أوصافه طهور وإلا لما كان لصب الماء فائدة ولما طهر المسجد.
ولا يقال أن هذا في محل التطهير لأنه كما سبق أن هذا التفريق لا يصح، والشرع لا يفرق بين المتماثلات، فنتيجة ورود الماء على النجاسة لتطهيرها هي بعينها نتيجة وقوع النجاسة في الماء، فكل منهما ماء قليل فيه نجاسة لم تغيره، فهو باق على إطلاقه.
الترجيح:
وعليه فالراجح أن الماء القليل الذي وقعت فيه نجاسة ولم تغيره أنه باق على إطلاقه ولا يحكم بنجاسته إلا إذا تغيرت أحد أوصافه.
[- ما وقعت فيه نجاسة وهو كثير:]
قوله:(أو كان كثيرا وتغير بها أحد أوصافه)
وأما الماء الكثير فلا ينجس إلا إن تغير وقد دلَّ على ذلك الإجماع، قال ابن المنذر في "الإجماع"(ص: ٣٥): (وأجمعوا على أن الماء القليل، والكثير إذا وقعت فيه نجاسة، فغيرت للماء طعما، أو لونا، أو ريحًا: أنه نجس ما دام كذلك. وأجمعوا على أن الماء الكثير من النيل والبحر، ونحو ذلك إذا وقعت فيه نجاسة، فلم تغير له لوناً ولا طعما ولا ريحا: أنه بحاله، ويتطهر منه).
وقال ابن حزم في " مراتب الإجماع"(ص / ١٧) حيث قال: (واتفقوا أن الماء الراكد إذا كان من الكثرة بحيث إذا حرك وسطه لم يتحرك طرفاه ولا شيء منهما فانه لا ينجسه شيء إلا ما غير لونه أو طعمه أو رائحته).
[استثناء البول فيما يمكن نزحه:]
قال أبو داود في "مسائله للإمام أحمد"(ص:٧): (سمعت أحمد، قيل له: البئر يقع فيها الفأرة والسنور؟ فقال: أما مثل هذه الآبار إذا كان الماء كثيرا ما لم يتغير طعما أو ريحا فأرجو، إلا من بول).