إذا تغير بنجاسة تنجس كما سيأتي، كما أنه يمكن أن يقال أن حفظ هذا الماء في الأوعية يحتاج لكلفة ومشقة، والمشقة تجلب التيسير فيعفى عن تغيره للحاجة والمشقة، وأنا وإن لم أكن أقول هذا استدلالا به وإنما أردت بيان قطع الملازمة المذكورة، وأنها تحتاج للاستدلال لها، لا بها.
أدلة من قال بعدم تنجيسه ما لم يتغير:
أولا - حديث يئر بضاعة:
ما رواه أحمد وأبو داود والترمذي وغيرهم عن أبي سعيد الخدري، قال: قيل: يا رسول الله، أتتوضأ من بئر بضاعة، وهي بئر يلقى فيها الحيض، ولحوم الكلاب، والنتن؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«إن الماء طهور لا ينجسه شيء»، والحديث صححه الإمام أحمد وغيره، وهو صحيح بطرقه وشواهده.
والماء صيغة عموم تشمل القليل والكثير، وكما سبق فإنه ليس مع من ذهب لتخصيصه بالكثير دليل يصح.
قال ابن المنذر في "الإجماع"(ص: ٣٥): (وأجمعوا على أن الماء القليل، والكثير إذا وقعت فيه نجاسة، فغيرت للماء طعما، أو لونا، أو ريحًا: أنه نجس ما دام كذلك) فجعل مدار التنجيس التغير لا الكثرة ولا القلة.
قال تقي الدين في "مجموع الفتاوى"(٢١/ ٣٣): (قال أحمد: حديث بئر بضاعة صحيح. وهو في المسند أيضا عن ابن عباس {أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: الماء طهور لا ينجسه شيء} وهذا اللفظ عام في القليل والكثير وهو عام في جميع النجاسات. وأما إذا تغير بالنجاسة فإنما حرم استعماله لأن جرم النجاسة باق ففي استعماله استعمالها بخلاف ما إذا استحالت النجاسة فإن الماء طهور وليس هناك نجاسة قائمة. ومما يبين ذلك: أنه لو وقع خمر في ماء واستحالت ثم شربها شارب لم يكن شاربا للخمر؛ ولم يجب عليه حد الخمر؛ إذ لم يبق شيء من طعمها ولونها وريحها ولو صب لبن امرأة في ماء واستحال حتى لم يبق له أثر وشرب طفل ذلك الماء: لم يصر ابنها من الرضاعة بذلك. وأيضا: فإن هذا باق على أوصاف خلقته؛ فيدخل في عموم قوله تعالى (فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً)[النساء: ٤٣] فإن الكلام إنما هو فيما لم يتغير بالنجاسة لا طعمه ولا لونه ولا ريحه).