وأما قوله:(وشرفه لا يوجب الكراهة لاستعماله , كالماء الذي وضع فيه النبي صلى الله عليه وسلم كفه , أو اغتسل منه)
الفرق بينهما أن الماء الذي نبع من بين أصابع النبي - صلى الله عليه وسلم - وإن كان مباركا فقد أجراه الله معجزة للنبي - صلى الله عليه وسلم - لحاجتهم إليه فكان من تمام التفضل عدم التضييق عليهم في استعماله بخلاف مسألتنا فالفرض حكم استعمالها في الاغتسال ونحوه عند عدم الحاجة إليه فافترقا.
ووجه قياس ابن قدامة عند الحاجة فلا يعدل من لم يجد غيره إلى التيمم بل يغتسل منه، ويزيل به الخبث.
قال تقي الدين في "الفتاوى الكبرى"(٥/ ٧٤ - ٧٥): (قد كان العباس بن عبد المطلب يقول في ماء زمزم لا أحله لمغتسل ولكن لشارب حل وبل , وروي عنه أنه قال لشارب ومتوضئ. ولهذا اختلف العلماء هل يكره الغسل والوضوء من ماء زمزم , وذكروا فيه روايتين عن أحمد. والشافعي احتج بحديث العباس , والمرخص احتج بحديث فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم {توضأ من ماء زمزم} , والصحابة توضئوا من الماء الذي نبع من بين أصابعه مع بركته , لكن هذا وقت حاجة , والصحيح أن النهي من العباس إنما جاء عن الغسل فقط لا عن الوضوء. والتفريق بين الغسل والوضوء هو لهذا الوجه , فإن الغسل يشبه إزالة النجاسة , ولهذا يجب أن يغسل من الجنابة ما يجب أن يغسل من النجاسة , وحينئذ فصون هذه المياه المباركة من النجاسات متوجه بخلاف صونها من التراب ونحوه من الطاهرات. والله أعلم).
[فائدة - حكم الاغتسال المستحب من ماء زمزم:]
ظاهر كلام تقي الدين السابق أنه يخص النهي عن غسل الجنابة ونحوه مما فيه حدث، وقد صرح بذلك ابن ضويان فقال في "منار السبيل"(١/ ١٦): (وخص الشيخ تقي الدين الكراهة بغسل الجنابة) والراجح الإبقاء على عموم كلام العباس وابن عباس لعدم وجود المخصص فلا يغتسل من ماء زمزم للجمعة ولا للإحرام ولا للعيدين، ونحو ذلك اللهم أن يكون الاغتسال للاستشفاء فيدخل في عموم قوله