مشقة وأن ذلك شرط لكي يصح نسبتها للشرع، ومن قال بالإثبات إنما يتجه قوله لكون بعض الأحكام الشرعية فيها نوع مشقة معتادة كمشقة البرد في الوضوء والغسل، ومشقة الصوم في شدة الحر وطول النهار، ومشقة السفر التي لا انفكاك للحج والجهاد عنها.
وقد اتفقا على خروج المشقة العظيمة التي تتجاوز الحدود العادية والطاقة البشرية السوية، كالتي تؤدي إلى هلاك أحد الضرورات الخمس، فنحو هذه المشقات إنما هي مرفوعة عن الأمة، ولم يكلفنا الله بها، بل هي موجبة للرخصة والتخفيف كنحو إباحة التيمم للخوف من الاغتسال للجنابة من شدة البرد، ووجوب الفطر لكن خاف على نفسه التضرر بالصوم، ونحو ذلك مما هو معروف في محله.
بيان أن تقصد المشقة لا يجوز في شرعنا (١):
قال تقي الدين - رحمه الله - في "مجموع الفتاوى"(١٠/ ٦٢٢ - ٦٢٣): (فأما كونه مشقاً فليس سبباً لفضل العمل ورجحانه، ولكن قد يكون العمل الفاضل مشقّاً ففضله لمعنى غير مشقته، والصبر عليه مع المشقة يزيد ثوابه وأجره، فيزداد الثواب بالمشقة ... فكثيراً ما يكثر الثواب على قدر المشقة والتعب، لا لأن التعب والمشقة مقصود من العمل، ولكن لأن العمل مستلزم للمشقة والتعب، هذا في شرعنا الذي رفعت عنا فيه الآصار والأغلال، ولم يجعل علينا فيه حرج، ولا أريد بنا فيه العسر، وأما في شرع من قبلنا فقد تكون المشقة مطلوبة، وكثير من العباد يرى جنس المشقة والألم والتعب مطلوباً مقرباً إلى الله، لما فيه من نفرة النفس عن اللذات والركون إلى الدنيا، وانقطاع القلب عن علاقة الجسد، وهذا من جنس زهد الصابئة والهند وغيرهم).
وقد ثبت في شريعتنا ما يمنع من التكلف والتنطع في دين الله، لقوله تعالى:(
وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ) [ص: ٨٦] وقوله - صلى الله عليه وسلم -: (اكلفوا من