للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يتطهر به؛ فإن العرب تقول: طهور، ووجور (١) لما يتطهر به، ويوجر به، وبالضم للفعل الذي هو مسمى المصدر فطَّهور صيغة مبينة لما يفعل به، وليس معدولا عن طاهر، ولهذا قال تعالى في إحدى الآيتين: {وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورً} وقال في الآية الأخرى: {وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ}.

إذا عرفت هذا فالطاهر يتناول الماء وغيره، وكذلك الطهور؛ فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - «جعل التراب طهورا»، ولكن لفظ «طاهر» يقع على جامدات كثيرة كالثياب والأطعمة وعلى مائعات كثيرة كالأدهان والألبان، وتلك لا يمكن أن يتطهر بها فهي طاهرة ليست بطهور (٢). قال بعض الناس: لا فائدة في النزاع في المسألة. قال القاضي أبو يعلى: فائدته أنه عندنا لا تجوز إزالة النجاسة بغير الماء لاختصاصه بالتطهير، وعندهم تجوز لمشاركته غير الماء في الطهارة (٣)، قال أبو العباس: وله فائدة أخرى: وهي أن الماء يدفع النجاسة عن نفسه بكونه مطهرا كما دل عليه قوله - صلى الله عليه وسلم -: «الماء طهور لا ينجسه شيء» وغيره ليس بطهور فلا يدفع، وعندهم الجميع سواء (٤)) (٥).

[الثالثة - بيان الراجح من الأقوال في تقسيم الماء:]

قال تقي الدين في "مجموع الفتاوى" (٢١/ ٢٤): (أما مسألة تغير الماء اليسير أو


(١) الوَجُور: الدواء يصب في الحلق.
(٢) أي أن الطَّهور اسم لما يتطهر به. وأما اسم طاهر فإنه صفة محضة لازمة لا يدل على ما يتطهر به أصلا.
(٣) وهذا التفريق بناء على ظاهر المذهب، وقد اختار تقي الدين رواية أخرى موافقة للأحناف قال ابن مفلح في "الفروع": (١/ ٢٥٩): (ولا يجوز إزالة نجاسة إلا بماء طهور (وم ش) وقيل مباح (خ) وقيل أو طاهر , وعنه بكل مائع طاهر مزيل كخل , اختاره ابن عقيل وشيخنا (وهـ)).
(٤) وهو قول تقي الدين أيضا، قال في "مجموع الفتاوى" (٢١/ ٥١٠): (دفع المائعات للنجاسة عن نفسها كدفع الماء لا يختص بالماء). فتحصل مما سبق أن تقي الدين موافق للأحناف ولا يرى فرقا بين الطهور والطاهر لا من جهة اللزوم والتعدية المعنوية الحكمية الفقهية، ولا من جهة اللزوم والتعدية النحوية.
(٥) انظر: المستدرك على مجموع الفتاوى (٣/ ٥).

<<  <   >  >>