للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

آنية الذهب والفضة، ولا تأكلوا في صحافهما، فإنها لهم في الدنيا، ولكم في الآخرة» وعن أم سلمة ترفعه «الذي يشرب في آنية الذهب والفضة إنما يجرجر في بطنه نار جهنم» متفق عليهما. والجرجرة: صوت وقوع الماء بانحداره في الجوف. وغير الأكل والشرب في معناهما، لأنهما خرجا مخرج الغالب، ولأن في ذلك سرفا وخيلاء، وكسر قلوب الفقراء، وتضييق النقدين) (١).

ولا يقال أن العلة منقوضة بما أذن الشرع في استعماله كالحلي للنساء فالترخيص في ذلك للدليل، وتجويز غيرها وقياسها عليه يؤدي إلى تضييق العلة.

والراجح عندي أن العلة مركبة من كل ما سبق، والعلة تعمم معلولها وعليه فالنهي لا يخص الأكل والشرب فقط بل كل وجوه الاستعمال ولا يخرج عن ذلك إلا ما دلّ عليه الدليل كجواز التحلي بالذهب والفضة للنساء.

- وأما قوله: (ولو كانت حراماً مطلقاً لأَمَرَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ بتكسيرها، كما كان النبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ لا يدعُ شيئاً فيه تصاوير إلا كسره أو هتكه) فهو استدلال بقياس محل النزاع على التصاوير والتصاليب وهو قياس مع الفارق لظهور مظاهر الشرك والوثنية في الأصل دون الفرع.

- وأما استدلاله بقصة أم سلمة - رضي الله عنها- فلا دلالة فيه لأمور منها:

١ - أن العبرة بما روى الراوي لا بما رأى.

٢ - أن هذا اللفظ محل النزاع وهو (فضة) فقد اختلف فيه على اسرائيل الراوي عن عثمان بن عبدالله بن مَوْهَب، فروي عنه مرة بالقاف والمهملة (قصة)، وأخرى بالفاء والموحدة (فضة).

وقد ورد هذا الحديث من غير طريق إسرائيل بلفظ: (فأخرجت لنا صُرَّة) رواه الطبراني (٢٣/ ٣٣٢) حديث رقم (٧٦٤) من طريق سَلَّامُ بْنُ أَبِي مُطِيعٍ - وهو ثقة صاحب سُنة - عن عثمان بن عبدالله بن مَوْهَب، قال: دخلنا على أم سلمة، فأخرجت لنا صُرَّة فيها شعر النبي صلى الله عليه وسلم مخضوب بحناء، فقالت: «هذا من شعر النبي صلى الله عليه وسلم».


(١) انظر: كشاف القناع (١/ ٢٨٢).

<<  <   >  >>