وإن خرج هذا خرج هذا فلما حصل الاتفاق على دخول المتغير تغيرا أصليا أو حادثا بما يشق صونه عنه علم أن هذا النوع داخل في عموم الآية.
وقد ثبت بسنة رسول الله أنه قال في البحر هو:(الطهور ماؤه الحل ميتته) والبحر متغير الطعم تغيرا شديدا لشدة ملوحته فإذا كان النبي قد أخبر أن ماءه طهور مع هذا التغير كان ما هو أخف ملوحة منه أولى أن يكون طهورا وإن كان الملح وضع فيه قصدا إذ لا فرق بينهما في الاسم من جهة اللغة وبهذا يظهر ضعف حجة المانعين فإنه لو استقى ماء أو وكله في شراء ماء لم يتناول ذلك ماء البحر ومع هذا فهو داخل في عموم الآية فكذلك ما كان مثله في الصفة.
وأيضا فقد ثبت أن النبي أمر بغسل المحرم بماء وسدر وأمر بغسل ابنته بماء وسدر وأمر الذي أسلم أن يغتسل بماء وسدر ومن المعلوم أن السدر لابد أن يغير الماء فلو كان التغير يفسد الماء لم يأمر به وقول القائل إن هذا تغير في محل الاستعمال فلا يؤثر تفريق بوصف غير مؤثر لا في اللغة ولا في الشرع فان المتغير إن كان يسمى ماء مطلقا وهو على البدن فيسمى ماء مطلقا وهو في الإناء وإن لم يسم ماء مطلقا في أحدهما لم يسم مطلقا في الموضع الآخر فانه من المعلوم أن أهل اللغة لا يفرقون في التسمية بين محل ومحل وأما الشرع فان هذا فرق لم يدل عليه دليل شرعي فلا يلتفت إليه ...
وأيضا فان النبي توضأ من قصعة فيها أثر العجين ومن المعلوم أنه لابد في العادة من تغير الماء بذلك لا سميا في آخر الأمر إذا قل الماء وانحل العجين فان قيل ذلك التغير كان يسيرا قيل وهذا أيضا دليل في المسألة فانه إن سوى بين التغير اليسير والكثير مطلقا كان مخالفا للنص وإن فرق بينهما لم يكن للفرق بينهما حد منضبط لا بلغة ولا شرع ولا عقل ولا عرف من فرق بين الحلال والحرام بفرق غير معلوم لم يكن قوله صحيحا.
وأيضا فان المانعين مضطربون اضطرابا يدل على فساد أصل قولهم منهم من يفرق بين الكافور والدهن وغيره ويقول إن هذا التغير عن مجاورة لا عن مخالطة ومنهم من يقول بل نحن نجد في الماء أثر ذلك ومنهم من يفرق بين الورق الربيعي والخريفي ومنهم من يسوى بينهما ومنه من يسوى بين الملحين الجبلي والمائي