قال ابن قدامة في " المغني"(١/ ٣٠): (فأما المستعمل في تعبد من غير حدث، كغسل اليدين من نوم الليل، فإن قلنا ليس ذلك بواجب لم يؤثر استعماله في الماء، وإن قلنا بوجوبه، فقال القاضي: هو طاهر غير مطهر.
وذكر أبو الخطاب فيه روايتين: إحداهما؛ أنه يخرج عن إطلاقه؛ لأنه مستعمل في طهارة تعبد، أشبه المستعمل في رفع الحدث؛ «ولأن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى أن يغمس القائم من نوم الليل يده في الإناء قبل غسلها.» فدل ذلك على أنه يفيد منعا.
والرواية الثانية، أنه باق على إطلاقه؛ لأنه لم يرفع حدثا، أشبه المتبرد به، وعلى قياسه المستعمل في غسل الذكر والأنثيين من المذي، إذا قلنا بوجوبه؛ لأنه في معناه).
روى البخاري (١/ ٧٢)(١٦٠)، ومسلم (١/ ٢٣٣)(٢٧٨) من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - مرفوعا:(إذا استيقظ أحدكم من نومه فلا يغمس يده في الإناء حتى يغسلها ثلاثا فإنه لا يدري أين باتت يده) وليس عند البخاري التثليث.
وهذا الحديث ظاهر في وجوب غسل اليد ثلاثا قبل أن يغمسها في الإناء، وقد اعتذر الجمهور عن الوجوب بأن التعليل بأمر يقتضي الشك قرينة صارفة عن الوجوب إلى الندب.
وقد ردَّ ذلك الشوكاني فقال معقبا في "نيل الأوطار"(١/ ١٧٠): (وقد دفع بأن التشكيك في العلة لا يستلزم التشكيك في الحكم وفيه أن قوله: (لا يدري أين باتت يده) ليس تشكيكا في العلة بل تعليلا بالشك وأنه يستلزم ما ذكر).
وقال الشيخ أحمد شاكر في "هامش المحلى"(١/ ٢٠٧): (تعليل وجوب غسل اليد ثلاثا بأن النائم لا يدري أين باتت يده، يشير إلى المعنى الذي من أجله وجب الغسل، وهو احتمال مباشرتها النجاسة، وهذا هو الفرق بينه وبين طهرها بغسلة واحدة عند تيقن النجاسة، فإن النجاسة إذ ذاك يراها المتطهر ويوقن بإزالتها).
وعليه فالراجح وجوب غسل اليد قبل غمسها في الإناء ثلاثا.