وقد انتصر ابن قدامة لكون النوم هنا خاصا بالليل فقال في "المغني"(١/ ٧١): (ولا تختلف الرواية في أنه لا يجب غسلهما من نوم النهار وسوى الحسن بين نوم الليل ونوم النهار في الوجوب لعموم قوله إذا قام أحدكم من نومه.
ولنا أن في الخبر ما يدل على إرادة نوم الليل لقوله فإنه لا يدري أين باتت يده والمبيت يكون بالليل خاصة ولا يصح قياس غيره عليه لوجهين:
أحدهما - أن الحكم ثبت تعبدا فلا يصح تعديته.
الثاني - أن الليل مظنة النوم والاستغراق فيه وطول مدته فاحتمال إصابة يده لنجاسة لا يشعر بها أكثر من احتمال ذلك في نوم النهار قال أحمد في رواية الأثرم الحديث في المبيت بالليل فإما النهار فلا بأس به).
الترجيح:
والذي أراه أن نوم النهار يلحق بنوم الليل، وأنه لا يعمل مفهوم المخالفة للحديث لأن ذكر البيتوتة فيه جريا على الغالب كقوله تعالى:(وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ)[النساء: ٢٣] فالربيبة محرمة بالشرط المذكور وإن لم تكن في الحجر. كما أن العلة متحققة في كل نوم.
قال النووي في "شرح مسلم"(٣/ ١٨٠): (مذهبنا ومذهب المحققين أن هذا الحكم ليس مخصوصا بالقيام من النوم بل المعتبر فيه الشك في نجاسة اليد فمتى شك في نجاستها كره له غمسها في الإناء قبل غسلها سواء قام من نوم الليل أو النهار أو شك في نجاستها من غير نوم وهذا مذهب جمهور العلماء وحكى عن أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى رواية أنه إن قام من نوم الليل كره كراهة تحريم وان قام من نوم النهار كره كراهة تنزيه ووافقه عليه داود الظاهري اعتمادا على لفظ المبيت في الحديث وهذا مذهب ضعيف جدا فان النبي صلى الله عليه وسلم نبه على العلة بقوله صلى الله عليه وسلم فانه لا يدري أين باتت يده ومعناه أنه لا يأمن النجاسة على يده وهذا عام لوجود احتمال النجاسة في نوم الليل والنهار وفي اليقظة وذكر الليل أولا لكونه الغالب ولم يقتصر عليه خوفا من توهم أنه مخصوص به بل ذكر العلة بعده والله أعلم).