للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فمَنْ أجاز ذلك على عطفت (١) على الموضع، ومَنْ منعه اعتقد أن "عمرًا" نُصب بإضمار فعل يدل عليه "ضارب"، وكأنه قال: ويضربُ عمرًا.

وهذا الصحيح عندي؛ لأن العامل في المعطوف هو العاملُ في المعطوف عليه بوساطة حرف العطف، فلو جُعل "ضارب" عاملًا في المعطوف لزم عملُه غيرَ منَوَّن.

ومِنْ هذا القبيل عند ابن (٢) أبي العَافِية، وأبي (٣) الحَسَن بنِ الأَخْضَر (٤) وغيرِهما من النحويين الذين لا يُجيزون العطف على الموضع إلا بشرط وجود المُحْرِز: قولُك: إنَّ زيدًا منطلقٌ وعمرٌو؛ لأن موضع "زيد" رفع، وذلك الموضع يظهر في فصيح الكلام؛ أَلَا ترى أنه يجوز: زيدٌ منطلقٌ، فيكون معناه ومعنَى: إنَّ زيدًا منطلقٌ؛ واحدًا؟ إلا أن ذلك الموضع ليس له مُحْرِزٌ؛ أَلَا ترى أن الرافع لـ"زيد" إنما هو الابتداء، وقد زال من اللفظ بدخول "إِنَّ"؟ فيجب عندهم لذلك أن يكون "عمرو" رفعًا بالابتداء، وخبرُه محذوف؛ لدلالة ما تقدَّم عليه.

والصحيحُ عندي أنه لا يجوز أن يكون مرفوعًا بالعطف على "زيد"، سواءٌ كان "زيد" منصوبًا أو مرفوعًا بالابتداء؛

يعني: لو قلت: زيدٌ قائمٌ وعمرٌو (٥).

إذ لا يُتَصوَّر أن يكون "قائم" أو "منطلق" خبرًا عن "زيد" و"عمرو"، وإذا كان كذلك لزم أن يكون المعطوف مبتدأً خبرُه محذوفٌ؛ لدلالة المتقدِّم، هذا هو الذي


(١) كذا في المخطوطة، ولم أتبيَّن وجهه.
(٢) هو محمد الإشبيلي، أبو عبدالله، إمام في النحو والأدب، أخذ عن الأعلم، توفي سنة ٥٠٩. ينظر: إنباه الرواة ٣/ ٧٣، ٤/ ١٩٥، وتاريخ الإسلام ١١/ ١٢٦.
(٣) هو علي بن عبدالرحمن بن محمد التنوخي الإشبيلي، إمام في اللغة والنحو والأدب، أخذ عن الأعلم، له: شرح الحماسة، وشرح شعر أبي تمام، وغيرهما، توفي سنة ٥١٤. ينظر: إنباه الرواة ٢/ ٢٨٨، وبغية الوعاة ٢/ ١٧٤.
(٤) لم أقف على كلامهما.
(٥) قوله: «يعني: لو قلت: زيد قائم وعمرو» توضيحٌ يظهر أنه لابن هشام؛ إذ وضعه في المخطوطة بين دائرتين.

<<  <  ج: ص:  >  >>