للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أَذْهبُ إليه.

فإن قيل: هذا ينافي ما قرَّرْتَه في الأصل (١) من أن العطف على موضعها مع الاسم، وهذا الثاني يقتضي أنك عطفت جملةً على جملةٍ.

قلت: العطف في هذه المسألة وأمثالِها من عطف الجمل، إلا أنهم لَمَّا حذفوا الخبر للدليل عليه أنابوا العاطف منابَه، فلم يقدِّروا الخبرَ المحذوفَ، فأشبه ذلك عطفَ المفردات من جهة أن العاطف ليس بعده في اللفظ إلا مفردٌ، فلما أشبه عطفَ المفردات -وذلك يلزم فيه أن يكون الثاني إعرابُه كإعراب الأول في اللفظ أو الموضعِ- فكذلك وجب أن يُعتقد أنه لم تَجُز المسألة حتى قُدِّر أن قولك: إن زيدًا قائمٌ؛ بمثابة: زيدٌ قائمٌ؛ وإلا لم تقع موافقةٌ أصلًا.

فإن قلت: إنما جاز ذلك لاتحاد معنى الكلامَيْن، فكيف تصنع بـ: لكنَّ زيدًا قائمٌ وعمرٌو؛ لأن "زيدٌ قائمٌ" ليس بمعناه؟

قلت: لا أجعله بمنزلة هذا، ولكن بمنزلة: لكنْ زيدٌ قائمٌ وعمرٌو؛ لأن "لاكن (٢) " تُخفَّف في الفصيح، ويبقى معنى الاستدراك. /

فإن قلت: كيف يصحُّ العطف على موضع الاسم والحرفِ في ذلك وفيما قدَّمت؟

قلت: كما ساغ في قول عَمْرِو (٣) بن سَعِيدِ بن العاصِ:

فَلَا يَبْدُوَنَّ الدَّهْرَ مِنْ فِيكَ مَنْطِقٌ ... بِلَا نَظَرٍ قَدْ كَانَ مِنْكَ وَإِغْفَالِ (٤)

وقولِ عُمَرَ بن ِأبي رَبِيعةَ:


(١) أي: المقرَّب. ينظر: ٣١٤.
(٢) كذا في المخطوطة، والصواب: لكنَّ.
(٣) هو الأموي القرشي، أبو عقبة، صحابي، له هجرتان: إلى الحبشة ثم المدينة، استشهد يوم أجنادين. ينظر: الاستيعاب ٣/ ١١٧٧، والإصابة ٤/ ٥٢٦.
(٤) بيت من الطويل. إغفال: تَرْك، كما في: القاموس المحيط (غ ف ل) ٢/ ١٣٧٢. ينظر: أمالي القالي ٢/ ٣٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>