للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَأُوصِي بِهِ أَن لَّا يُهَانَ وَيُكْرَمَا (١)

فإن قلت: ما الدليل على أن العرب نزَّلت: إنَّ زيدًا قائمٌ وعمرٌو منزلةَ عطف المفردات؟

قلت: قولُهم: زيدٌ منطلقٌ لا عمرٌو، و: إنَّ زيدًا منطلقٌ لا عمرٌو؛ إذ لا يكون ذلك من قبيل عطف الجمل؛ لأن "لا" إنما يُعطف بها المفرداتُ أو ما هو في تقديرها.

فإن قلت: ليست "لا" عاطفةً في المثالين، بل حرفُ نفيٍ مستأنفٌ.

قلت: لو كان كذلك لم يكن لها تأثيرٌ في عملٍ مَّا، فيلزم أن يكون كدخولها على المعرفة.

فثبت بما ذكرته صحة جَعْلِه من باب عطف المفردات، ويجوز أن يكون من عطف الجمل، كما أوجبه قومٌ، والحقُّ عندي جوازُ وجهَيْن.

فإن قيل: لِمَ لا جاز جميعُ ذلك فعد (٢) "لعلَّ" و"كأنَّ" و"ليت"؟

قلت: لأن قولك: لعلَّ زيدًا قائمٌ لا يمكن أن يقال: إنه بمثابة: زيدٌ قائمٌ، لا معنًى ولا تقديرًا، فامتَنع أن يُعطف باعتبار هذا المعنى.

فإن قلت: أَجِزْ ذلك على الوجه الثاني، وهو أن يكون من عطف الجمل.

قلت: لا يجوز؛ لأن الاسم حينئذٍ هو وحَيِّزُه معطوفان على الجملة بأسرها، فالخبرُ ثابت، وخبرُ هذه الحروف فيه معنًى زائدٌ على خبر معنى الابتداء؛ أَلَا تراه بعد "لعلَّ" و"ليت" غيرَ ثابت، وبعد "كأنَّ" فيه معنى التشبيه؟ ولهذا لم يُجِز س (٣) أن تقول: تبًّا له وويحٌ؛ على تقدير: وويحٌ له، ويكون قد حُذف "له" الذي هو خبرُ "ويحٌ"؛ لدلالة المتقدم عليه؛ لَمَّا اختَلف معنَيَاهما.


(١) عجز بيت من الطويل، وصدره:
لذلك أُدْنِي دونَ خيلي رباطَه ... ...
ينظر: الديوان ٤٦٢، وأمالي الزجاجي ١٥، والأغاني ١/ ٧٧، ١٨١.
(٢) كذا في المخطوطة، ولعل الصواب: بعد.
(٣) الكتاب ١/ ٣٣٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>