للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأما النَّسْطُوريَّة: فذهبوا إلى القول بأنَّ المسيح شخصان وطبيعتان لهما مشيئة واحدة وأنَّ طبيعة اللاهوت لما وجدت بالناسوت صار لهما إرادة واحدة، واللَّاهوت لا يقبل زيادةً ولا نقصانًا، ولا يمتزج بشيء. والنَّاسوت يقبل الزيادة والنقصان، فكان المسيحُ -بذلك- إلهًا وإنسانًا، فهو الإله بجوهر اللَّاهوت الذي لا يَقْبل الزيادة والنقصان، وهو إنسانٌ بجوهر (١) النَّاسوت الذي يقبل الزيادة والنقصان. وقالوا: إنَّ مريم ولدت المسيح بناسوته وإنَّ اللاهوت لم يفارقه قط.

وكلُّ هذه الفِرَق استَنْكَفَتْ أن يكونَ المسيحُ عَبْدَ اللهِ، وهو لم يستنكف من ذلك، ورغبت به عن عبوديةِ الله، وهو لم يرغب عنها، بل أعْلى منازلِ (٢) العبوديةِ عبوديةُ الله، ومحمدٌ وإبراهيمُ خيرٌ منه، وأعْلَى منازِلهما تكميلُ مراتب العبوديَّة، فاللهُ رَضِيَهُ أنْ يكونَ له عبدًا فلم ترض المثلِّثة بذلك.

وقالت الأَرْيُوسيَّة منهم -: وهم أتباع أريوس- إنَّ المسيح عبد الله كسائر الأنبياء والرسل، وهو مَرْبُوبٌ مخلوقٌ مصنوع، وكان النَّجاشِيُّ على هذا المذهب. وإذا ظَفِرَت، المثلِّثة بواحدٍ من هؤلاء قتلتْه شَرَّ قِتْلة، وفعلوا به ما يُفْعَل بمن سبَّ المسيح وشتمه أعْظَمَ سبٍّ.

والكلُّ من تلك الفرق الثلاث؛ عَوَامُّهم لا تفهم مقالةَ خَوَاصِّهم على حقيقتها، بل يقولون: إنَّ الله تخطَّى مريم كما يتخطَّى الرجلُ المرأةَ، وأحْبَلَها فولدت له ابنًا، ولا يعرفون تلك الهذيانات التي وضعها


(١) في "ص": "كجوهر".
(٢) في "ص": "منازله".

<<  <  ج: ص:  >  >>