الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام سيدنا محمد سيد الأولين والآخرين وعلى آله وصحبه أجمعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين
أما بعد فقد كنت عُنيت بوضع نظم لرسالة الإمام الشيخ أبي محمد عبد الله بن أبي زيد القيرواني ـ رحمه الله تعالى ـ يستوعب مسائلها مع الوضوح، لعظيم خطرها في المذهب، وعسر حفظ النثر، وقد يسر الله سبحانه وتعالى ذلك بمنه وإكرامه، وجزيل فضله وإنعامه، وقد تكرر عليَّ الطلب من قبل دارسين ومدرسين بوضع شرح عليه، يوضح مشكله، ويفتح مقفله، ويبين مراد الشيخ، ويوجه رأيه، وقد رغبت عن ذلك زمنا، لعجزي عنه من جهة، وانشغالي من جهة أخرى، ثم بدا لي بعد الإلحاح علي أن آتي من ذلك بما يتيسر علي، مما يتمم النفع بالنظم المذكور، فما لا يدرك كله لا يترك قُله، والله المستعان، وعليه وحده التكلان، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
وقد قصرت نظري في هذا العمل على الاختيار من نصوص من تهيأ لي الوقوف على كلامه من أساطين المذهب، مما يتبين به مراد الشيخ، فكلامهم أقعد بكلامه، ومرامهم ألصق بمرامه، أو يشتمل على بيان الراجح من الخلاف، أو يتضمن إشارة إلى المناط في المسألة، إذ بمعرفة ذلك يكون الاهتداء إلى الفروق، فهو منبعها، ويؤمن الاشتباه، ويتسنَّى الضبط، ولذلك قيل في العلة إنها: معرف الحكم بوضع الشارع، فهي له كالحد المانع الجامع.
وقد قال بعضهم إن مذهب مالك ـ رحمه الله تعالى ـ من أصعب المذاهب ضبطا، وأدقها فروقا، لأنه في الأصل أجوبة عن أسئلة متشعبة، وقد أشار جلال الدين ابن شاس في جواهره إلى أن عدم ترتيب مسائله مما سبب رغبة بعض أهل وقته عنه، فلذلك عُني بترتيبه رحمه الله تعالى.