ومكانة الموطإ أظهر من أن تذكر، وأبين من أن تنشر، وخصائصه أكثر من أن تحصر، وليس لطالب مذهب مالك ـ رحمه الله تعالى ـ بد من السكون إليه، فلا مطمع فيه إلا بالإكباب عليه، بل قال الدهلوي إن مذاهب الثلاثة بالنسبة له كالشروح للمتون، وهو منها بمنزلة الدوحة من الغصون.
وقد اختص الموطأ بذكر ما عليه العمل عند أهل العلم بالمدينة المنورة بأنواره ـ صلى الله تعالى عليه وسلم ـ ومعلوم أن المراد بهم عنده علماء الصحابة والتابعين خاصة، ولا يخفى أن ذلك في معنى الأحاديث المتواترة، خصوصا في ما تعم به البلوى، لعلمهم واطلاعهم وتبريزهم، فيستحيل أن يخفى عليهم آخر الأمر في ذلك من رسول الله ـ صلى الله تعالى عليه وسلم ـ.
وحيث نقلت من المدونة دون واسطة، فإنما أعني تهذيب خلف بن أبي القاسم محمد الأزدي القيرواني البراذعي، وهو من الآخذين عن الشيخ أبي محمد رحمهما الله تعالى، وكان فراغه منه عام اثنين وسبعين وثلاثمائة.
ومكانة المدونة في المذهب عظيمة جدا، ويكفيها خطرا أنها حاصل اجتهاد مالك وابن القاسم وسحنون ـ رحمهم الله تعالى جميعا ـ قال ابن رشد ـ رحمه الله تعالى ـ: وهي مقدمة على غيرها من الدواوين بعد موطإ مالك رحمه الله تعالى
ويروى أنه ما بعد كتاب الله تعالى أصح من موطإ مالك ـ رحمه الله تعالى ـ ولا بعد الموطإ ديوان في الفقه أفيد من المدونة، والمدونة عند أهل الفقه ككتاب سيبويه عند أهل النحو، وككتاب إقليدس عند أهل الحساب، وموضعها من الفقه موضع أم القرآن من الصلاة تجزئ من غيرها، ولا يجزئ غيرها منها.
وذكر القاضي عياض ـ رحمه الله تعالى ـ أنه ما اعتكف أحد على المدونة ودراستها إلا عرف ذلك في ورعه وزهده، وما عداها أحد إلى غيرها إلا عرف ذلك فيه.
وسميته: عون المتين على شرح نظم رسالة القرويين
وحسبنا الله ونعم الوكيل، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
كتبه العبد الضعيف محمد بن محمد محمود بن محمد المصطفى بن سيدي محمد المعروف بدي كان الله تعالى لهم وليا ونصيرا.
محروسة كيف لسبع بقين من ربيع الأول سنة إحدى وأربعين وأربعمائة من هجرته صلى الله تعالى عليه وسلم.