وفي جامع ابن أبي زيد عن مالك - رحمهما الله تعالى - أنه قال: وبلغني أن أول ما اتخذت الصور في موت نبي فصور لهم ليأنسوا بصورته، فما زال ذلك حتى صار إلى أن عبدت، وقد وقع في الحديث استثناء الرقم في الثوب، ووجه فرق من فرق بين الثوب والستائر مراعاة امتهان الثوب أكثر، ووجه قول من لم يفرق عدم التعظيم في كل، ووجه المنع مطلقا حديث النمرقة، ووجه الكراهة قول أبي طلحة لسهل بن حنيف - رضي الله تعالى عنهما - لما قال له: ألم يقل رسول الله - صلى الله تعالى عليه وسلم -: " إلا ما كان رقما في ثوب " قال: بلى، ولكنه أطيب لنفسي، (١) وفي جامع ابن أبي زيد - رحمه الله تعالى - في الكلام على على ما يوطأ ويمتهن: وتركه أحب إلي، ومن ترك ما فيه رخصة غير محرم له، فلا بأس عليه، وأكره أن يشتري الرجل لابنته الصور، وأن يجعل في فص خاتمه التماثيل.
وقال ابن رشد - رحمه الله تعالى -: والذي يباح من ذلك للعب الجواري به ما كان غير تام الخلقة، لا يحيى ما كان على صورته في العادة، كالعظام التي يجعل لها وجوه بالرسم، وكالتزويق في الحائط، وقد قال أصبغ الذي يباح من ذلك ما يسرع إليه البِلى والفساد، وليس ذلك ببين في وجه القياس والنظر، وبالله سبحانه وتعالى التوفيق.
والحاصل أن الصور منهي عنها على كل حال، فمنها ما هو ممنوع، ومنها ما هو مكروه كراهة شديدة، ومنها ما هو مكروه كراهة دون ذلك، والفرق بين موضعي الكراهة أن الكراهة الأولى اجتهادية، وهي أشد من المنصوصة، لأنها لمراعاة دليل الحرمة، بخلاف المكروه بالنص، فإنه قد علم فيه انتفاء الحرمة، والله سبحانه وتعالى أعلم.
(١) ورواه الترمذي والنسائي والإمام أحمد، وهو حديث صحيح.