أَنَا أَكْفِيكُمْ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ.
فَتَعَاهَدُوا وَتَوَاثَقُوا بِاللَّهِ أَنْ لَا يَنْكُصَ رَجُلٌ مِنْهُمْ عَنْ صَاحِبِهِ الَّذِي تَوَجَّهَ إِلَيْهِ حَتَّى يَقْتُلَهُ أَوْ يَمُوتَ دُونَهُ، فَأَخَذُوا أَسْيَافَهُمْ فَسَمُّوهَا، اتَّعَدُوا لِسَبْعَ عَشْرَةَ خَلَتْ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ أَنْ يَثِبَ كُلُّ وَاحِدٍ عَلَى صَاحِبِهِ الَّذِي تَوَجَّهَ إِلَيْهِ.
وَأَقْبَلَ كُلُّ رَجُلٍ مِنْهُمْ إِلَى الْمِصْرِ الَّذِي فِيهِ صَاحِبُهُ الَّذِي يَطْلُبُ، فَأَمَّا ابْنُ مُلْجَمٍ الْمُرَادِيُّ فَأَتَى أَصْحَابَهُ بِالْكُوفَةِ، وَكَاتَمَهُمْ أَمْرَهُ كَرَاهِيَةَ أَنْ يُظْهِرُوا شَيْئًا مِنْ أَمْرِهِ، وَأَنَّهُ لَقِيَ أَصْحَابَهُ مِنْ تَيْمِ الرَّبَابِ وَقَدْ قَتَلَ عَلِيٌّ مِنْهُمْ عِدَّةً يَوْمَ النَّهْرِ، فَذَكَرُوا قَتْلَاهُمْ فَتَرَحَّمُوا عَلَيْهِمْ.
قَالَ: وَلَقِيَ مِنْ يَوْمِهِ ذَلِكَ امْرَأَةً مِنْ تَيْمِ الرَّبَابِ يُقَالُ لَهَا: قَطَامِ بِنْتُ الشِّحْنَةِ، وَقَدْ قَتَلَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ أَبَاهَا وَأَخَاهَا يَوْمَ النَّهْرِ، وَكَانَتْ فَائِقَةَ الْجَمَالِ، فَلَمَّا رَآهَا الْتَبَسَتْ بِعَقْلِهِ وَنَسِيَ حَاجَتَهُ الَّتِي جَاءَ لَهَا فَخَطَبَهَا، فَقَالَتْ: لَا أَتَزَوَّجُ حَتَّى تَشْفِيَنِي قَالَ: وَمَا تَشَائِينَ؟ قَالَتْ: ثَلَاثَةُ آلَافٍ، وَعَبْدٌ وَقَيْنَةٌ، وَقَتْلُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، فَقَالَ: هُوَ مَهْرٌ لَكِ، فَأَمَّا قَتْلُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ فَمَا أَرَاكِ ذَكَرْتِيهِ وَأَنْتِ تُرِيدِينَهُ. قَالَتْ: بَلَى، فَالْتَمِسْ غُرَّتَهُ فَإِنْ أَصَبْتَهُ شَفَيْتَ نَفْسَكَ وَنَفْسِي، وَنَفَعَكَ مَعِي الْعَيْشُ، وَإِنْ قُتِلْتَ فَمَا عِنْدَ اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ - خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَزِبْرِجِ أَهْلِهَا. فَقَالَ: مَا جَاءَ بِي إِلَى هَذَا الْمِصْرِ إِلَّا قَتْلُ عَلِيٍّ. قَالَتْ: فَإِذَا أَرَدْتَ ذَلِكَ فَأَخْبِرْنِي حَتَّى أَطْلُبَ لَكَ مَنْ يَشُدُّ ظَهْرَكَ وَيُسَاعِدُكَ عَلَى أَمْرِكَ، فَبَعَثَتْ إِلَى رَجُلٍ مِنْ قَوْمِهَا مِنْ تَيْمِ الرَّبَابِ يُقَالُ لَهُ: وَرْدَانُ، فَكَلَّمَتْهُ فَأَجَابَهَا، وَأَتَى ابْنُ مُلْجَمٍ رَجُلًا مِنْ أَشْجَعَ يُقَالُ لَهُ: شَبِيبُ بْنُ نَجْدَةَ، فَقَالَ لَهُ: هَلْ لَكَ فِي شَرَفِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ؟ قَالَ: وَمَا ذَاكَ؟ قَالَ: قَتْلُ عَلِيٍّ قَالَ: ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ؛ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِدًّا، كَيْفَ تَقْدِرُ عَلَى قَتْلِهِ؟ قَالَ: أَكْمُنُ لَهُ فِي السَّحَرِ فَإِذَا خَرَجَ إِلَى صَلَاةِ الْغَدَاةِ شَدَدْنَا عَلَيْهِ فَقَتَلْنَاهُ، فَإِنْ نَجَوْنَا شَفَيْنَا أَنْفُسَنَا وَأَدْرَكْنَا ثَأْرَنَا، وَإِنْ قُتِلْنَا فَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَزِبْرِجِ أَهْلِهَا. قَالَ: وَيْحَكَ! لَوْ كَانَ غَيْرَ عَلِيٍّ كَانَ أَهْوَنَ عَلَيَّ، قَدْ عَرَفْتَ بَلَاءَهُ فِي الْإِسْلَامِ، وَسَابِقَتَهُ مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمَا أَجِدُنِي أَشْرَحُ لِقَتْلِهِ.
قَالَ: أَمَا تَعْلَمُ أَنَّهُ قَتَلَ أَهْلَ النَّهْرَوَانِ الْعُبَّادَ الْمُصَلِّينَ؟ قَالَ: نَعَمْ نَقْتُلُهُ بِمَا قَتَلَ مِنْ إِخْوَانِنَا، فَأَجَابَهُ فَجَاءُوا حَتَّى دَخَلُوا عَلَى قَطَامِ وَهِيَ فِي الْمَسْجِدِ الْأَعْظَمِ مُعْتَكِفَةً فِيهِ، فَقَالُوا لَهَا: قَدِ اجْتَمَعَ رَأْيُنَا عَلَى قَتْلِ عَلِيٍّ. قَالَ: فَإِذَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute