هَكَّارًا بِالْمَنْطِقِ مِهْذَارًا، إِنَّ كَثْرَةَ الْمَنْطِقِ تَشِينُ الْعُلَمَاءَ، وَتُبْدِي مَسَاوِئَ الْخَفَاءِ، وَلَكِنَّ عَلَيْكَ بِذِي اقْتِصَادٍ ; فَإِنَّ ذَلِكَ مِنَ التَّوْفِيقِ وَالسَّدَادِ، وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِ، وَاحْلُمْ عَنِ السُّفَهَاءِ ; فَإِنَّ ذَلِكَ فَضْلُ الْحُكَمَاءِ، وَزَيْنُ الْعُلَمَاءِ. إِذَا شَتَمَكَ الْجَاهِلُ فَاسْكُتْ عَنْهُ سِلْمًا، وَجَانِبْهُ حَزْمًا ; فَإِنَّ مَا بَقِيَ مِنْ جَهْلِهِ عَلَيْكَ، وَشَتْمِهِ إِيَّاكَ أَعْظَمُ وَأَكْثَرُ.
يَا ابْنَ عِمْرَانَ، إِنَّكَ لَا تَرَى أُوتِيَتْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا ; فَإِنَّ الِانْدِلَاقَ وَالتَّعَسُّفَ مِنَ الِاقْتِحَامِ وَالتَّكَلُّفِ. يَا ابْنَ عِمْرَانَ، لَا تَفْتَحَنَّ بَابًا لَا تَدْرِي مَا غَلْقُهُ، وَلَا تَغْلِقَنَّ بَابًا لَا تَدْرِي مَا فَتْحُهُ. يَا ابْنَ عِمْرَانَ، مَنْ لَا يَنْتَهِي مِنَ الدُّنْيَا نَهْمَتُهُ، وَلَا تَنْقَضِي مِنْهَا رَغْبَتُهُ، كَيْفَ يَكُونُ عَابِدًا؟ مَنْ يُحَقِّرُ حَالَهُ، وَيَتَّهِمُ اللَّهَ بِمَا قَضَى لَهُ كَيْفَ يَكُونُ زَاهِدًا؟ هَلْ يَكُفُّ عَنِ الشَّهَوَاتِ مَنْ قَدْ غَلَبَ هَوَاهُ، وَيَنْفَعُهُ طَلَبُ الْعِلْمِ وَالْجَهْلِ قَدْ حَوَّلَهُ ; لِأَنَّ سَفَرَهُ إِلَى آخِرَتِهِ، وَهُوَ مُقْبِلٌ عَلَى دُنْيَاهُ. يَا مُوسَى، تَعَلَّمْ مَا تَعْلَمَنَّ لِتَعْمَلَ بِهِ، وَلَا تَعَلَّمْهُ لِتُحَدِّثَ بِهِ، فَيَكُونُ عَلَيْكَ بَوْرُهُ، وَيَكُونُ لِغَيْرِكَ نَوْرُهُ. يَا ابْنَ عِمْرَانَ، اجْعَلِ الزُّهْدَ وَالتَّقْوَى لِبَاسَكَ، وَالْعِلْمَ وَالذِّكْرَ كَلَامَكَ، وَأَكْثِرْ مِنَ الْحَسَنَاتِ ; فَإِنَّكَ مُصِيبٌ السَّيِّئَاتِ، وَزَعْزِعْ بِالْخَوْفِ قَلْبَكَ، فَإِنَّ ذَلِكَ يُرْضِي رَبَّكَ، وَاعْمَلْ خَيْرًا ; فَإِنَّكَ لَا بُدَّ عَامِلٌ سِوَاهُ. قَدْ وُعِظْتَ إِنْ حَفِظْتَ.
فَتَوَلَّى الْخَضِرُ وَبَقِيَ مُوسَى حَزِينًا مَكْرُوبًا».
رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ، وَفِيهِ زَكَرِيَّا بْنُ يَحْيَى الْوَقَّارُ، وَقَدْ ضَعَّفَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ، وَذَكَرَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ، وَذَكَرَ أَنَّهُ أَخْطَأَ فِي وَصْلِهِ، وَالصَّوَابُ فِيهِ: عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ، وَبَقِيَّةُ رِجَالِهِ وُثِّقُوا.
[بَابٌ مِنْهُ فِي الْمَوَاعِظِ]
١٧٧٢٣ - عَنْ أَبِي مَدِينَةَ الدَّارِمِيِّ - وَكَانَتْ لَهُ صُحْبَةٌ - قَالَ: كَانَ الرَّجُلَانِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِذَا الْتَقَيَا لَمْ يَتَفَرَّقَا حَتَّى يَقْرَأَ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ: " {وَالْعَصْرِ - إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ} [العصر: ١ - ٢] ".
رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ، وَرِجَالُهُ رِجَالُ الصَّحِيحِ.
١٧٧٢٤ - وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قَيْسٍ: أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ فَقَالَ: «صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَاةً ثُمَّ قَالَ: " عَلَى مَكَانِكُمُ اثْبُتُوا ". ثُمَّ أَتَى الرِّجَالَ فَقَالَ: " إِنَّ اللَّهَ - عَزَّ وَجَلَّ - أَمَرَنِي أَنْ آمُرَكُمْ أَنْ تَتَّقُوا اللَّهَ، وَأَنْ تَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا ". ثُمَّ تَخَلَّلَ إِلَى النِّسَاءِ فَقَالَ لَهُنَّ: " إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُنِي أَنْ آمُرَكُنَّ أَنْ تَتَّقُوا اللَّهَ، وَأَنْ تَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا». قُلْتُ: فَذَكَرَ الْحَدِيثَ.
رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَالْبَزَّارُ إِلَّا أَنَّهُ قَالَ لِلنِّسَاءِ: «أَنْ تَتَّقِينَ اللَّهَ، وَأَنْ تَقُلْنَ قَوْلًا سَدِيدًا».، وَفِيهِ لَيْثُ بْنُ أَبِي سُلَيْمٍ، وَهُوَ مُدَلِّسٌ، وَبَقِيَّةُ رِجَالِ أَحْمَدَ رِجَالُ الصَّحِيحِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute