للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الضَّرْبَةُ لِجَمِيعِ أَهْلِ مِصْرَ مَا بَقِيَ مِنْهُمْ أَحَدٌ سَاعَةً، وَهَذَا أَبُوكِ بَاقِيًا حَتَّى الْآنَ. فَقَالَ عَلِيٌّ لِلْحَسَنِ: إِنْ بَقِيتُ رَأَيْتُ فِيهِ رَأْيِي، وَلَئِنْ هَلَكْتُ مِنْ ضَرْبَتِي هَذِهِ فَاضْرِبْهُ ضَرْبَةً وَلَا تُمَثِّلْ بِهِ؛ فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «يَنْهَى عَنِ الْمُثْلَةِ وَلَوْ بِالْكَلْبِ الْعَقُورِ».

وَذُكِرَ أَنَّ جُنْدَبَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ دَخَلَ عَلَى عَلِيٍّ يَسْأَلُ بِهِ، فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، إِنْ فَقَدْنَاكَ وَلَا نَفْقِدُكَ فَنُبَايِعُ الْحَسَنَ؟ قَالَ: مَا آمُرُكُمْ وَلَا أَنْهَاكُمْ، أَنْتُمْ أَبْصَرُ. فَلَمَّا قُبِضَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بَعَثَ الْحَسَنُ إِلَى ابْنِ مُلْجَمٍ فَدَخَلَ عَلَيْهِ، فَقَالَ لَهُ ابْنُ مُلْجَمٍ: هَلْ لَكَ فِي خَصْلَةٍ، إِنِّي وَاللَّهِ مَا أَعْطَيْتُ اللَّهَ عَهْدًا إِلَّا وَفَيْتُ بِهِ، إِنِّي كُنْتُ أَعْطَيْتُ اللَّهَ عَهْدًا أَنْ أَقْتُلَ عَلِيًّا وَمُعَاوِيَةَ أَوْ أَمُوتَ دُونَهُمَا، فَإِنْ شِئْتَ خَلَّيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ، وَلَكَ اللَّهُ عَلَى إِنْ لَمْ أَقْتُلْهُ أَنْ آتِيَكَ حَتَّى أَضَعَ يَدِي فِي يَدِكَ، فَقَالَ لَهُ الْحَسَنُ: لَا وَاللَّهِ أَوْ تُعَايِنُ النَّارَ، فَقَدَّمَهُ فَقَتَلَهُ، فَأَخَذَهُ النَّاسُ فَأَدْرَجُوهُ فِي بَوَارٍ، ثُمَّ أَحْرَقُوهُ بِالنَّارِ.

وَقَدْ كَانَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: يَا بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، لَا أُلْفِيَنَّكُمْ تَخُوضُونَ دِمَاءَ الْمُسْلِمِينَ تَقُولُونَ: قُتِلَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ، قُتِلَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ، أَلَا لَا يُقْتَلْ بِي إِلَّا قَاتِلِي.

وَأُمًّا الْبُرَكُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ فَقَعَدَ لِمُعَاوِيَةَ، فَخَرَجَ لِصَلَاةِ الْغَدَاةِ، فَشَدَّ عَلَيْهِ بِسَيْفِهِ، وَأَدْبَرَ مُعَاوِيَةُ هَارِبًا، فَوَقَعَ السَّيْفُ فِي إِلْيَتِهِ فَقَالَ: إِنَّ عِنْدِي خَبَرًا أُبَشِّرُكَ بِهِ، فَإِنْ أَخْبَرْتُكَ أَنَافِعِي ذَلِكَ عِنْدَكَ؟ قَالَ: وَمَا هُوَ؟ قَالَ: إِنَّ أَخًا لِي قَتَلَ عَلِيًّا [فِي هَذِهِ] اللَّيْلَةَ. قَالَ: فَلَعَلَّهُ لَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهِ. قَالَ: بَلَى؛ إِنَّ عَلِيًّا يَخْرُجُ لَيْسَ مَعَهُ أَحَدٌ يَحْرُسُهُ، فَأَمَرَ بِهِ مُعَاوِيَةُ فَقُتِلَ، فَبَعَثَ إِلَى السَّاعِدِيِّ - وَكَانَ طَبِيبًا - فَنَظَرَ إِلَيْهِ، فَقَالَ: إِنَّ ضَرْبَتَكَ مَسْمُومَةٌ فَاخْتَرْ مِنِّي إِحْدَى خَصْلَتَيْنِ؛ إِمَّا أَنْ أَحْمِيَ حَدِيدَةً فَأَضَعُهَا فِي مَوْضِعِ السَّيْفِ، وَإِمَّا أَنْ أَسْقِيَكَ شَرْبَةً تَقْطَعُ مِنْكَ الْوَلَدَ وَتَبْرَأُ مِنْهَا؛ فَإِنَّ ضَرْبَتَكَ مَسْمُومَةٌ. فَقَالَ لَهُ مُعَاوِيَةُ: أَمَّا النَّارُ: فَلَا صَبْرَ لِي عَلَيْهَا، وَأَمَّا انْقِطَاعُ الْوَلَدِ: فَإِنَّ فِي يَزِيدَ وَعَبْدِ اللَّهِ وَوَلَدُهُمَا مَا تَقَرُّ بِهِ عَيْنِي. فَسَقَاهُ تِلْكَ اللَّيْلَةَ الشَّرْبَةَ فَبَرَأَ، فَلَمْ يُولَدْ لَهُ بَعْدُ. فَأَمَرَ مُعَاوِيَةُ بَعْدَ ذَلِكَ بِالْمَقْصُورَاتِ وَقِيَامِ الشُّرْطِ عَلَى رَأْسِهِ.

وَقَالَ عَلِيٌّ لِلْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ: أَيْ بَنِيَّ، أُوصِيكُمَا بِتَقْوَى اللَّهِ، وَ [إِقَامَ] الصَّلَاةِ لِوَقْتِهَا، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ عِنْدَ مَحَلِّهَا، وَحُسْنِ الْوُضُوءِ؛ فَإِنَّهُ لَا تُقْبَلُ صَلَاةٌ إِلَّا بِطَهُورٍ. وَأُوصِيكُمْ بِغَفْرِ الذَّنْبِ، وَكَظْمِ الْغَيْظِ، وَصِلَةِ الرَّحِمِ، وَالْحِلْمِ عَنِ الْجَاهِلِ، وَالتَّفَقُّهِ فِي الدِّينِ، وَالتَّثَبُّتِ فِي الْأَمْرِ، وَتَعَاهُدِ الْقُرْآنِ، وَحُسْنِ الْجِوَارِ، وَالْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ، وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ، وَاجْتِنَابِ الْفَوَاحِشِ.

قَالَ: ثُمَّ نَظَرَ إِلَى مُحَمَّدِ بْنِ الْحَنَفِيَّةِ فَقَالَ: هَلْ

<<  <  ج: ص:  >  >>