بِالْأَسْحَارِ، كَثِيرَ الدُّمُوعِ عِنْدَ ذِكْرِ اللَّهِ، دَائِمَ الْفِكْرِ فِيمَا يَعْنِيهِ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ، نَاهِضًا إِلَى كُلِّ مَكْرُمَةٍ، يَسْعَى إِلَى كُلِّ مَنْجَبَةٍ، فَرَّارًا مِنْ كُلِّ مُوبِقَةٍ. وَصَاحِبَ الْجَيْشِ وَالْبِئْرِ، وَخَتَنَ الْمُصْطَفَى عَلَى ابْنَتَيْهِ، فَأَعْقَبَ اللَّهُ مَنْ سَبَّهُ النَّدَامَةَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ. قَالَ مُعَاوِيَةُ: فَمَا تَقُولُ فِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ؟ قَالَ: رَحِمَ اللَّهُ أَبَا الْحَسَنِ ; كَانَ وَاللَّهِ عَلَمَ الْهُدَى، وَكَهْفَ التُّقَى، وَمَحَلَّ الْحِجَا، وَطَوْدَ النُّهَى، وَنُورَ السُّرَى فِي ظُلَمِ الدُّجَى. دَاعِيًا إِلَى الْمَحَجَّةِ الْعُظْمَى، عَالِمًا بِمَا فِي الصُّحُفِ الْأُولَى، وَقَائِمًا بِالتَّأْوِيلِ وَالذِّكْرَى، مُتَعَلِّقًا بِأَسْبَابِ الْهُدَى، وَتَارِكًا لِلْجَوْرِ وَالْأَذَى، وَحَائِدًا عَنْ طُرُقَاتِ الرَّدَى، وَخَيْرَ مَنْ آمَنَ وَاتَّقَى، وَسَيِّدَ مَنْ تَقَمَّصَ وَارْتَدَى، وَأَفْضَلَ مَنْ حَجَّ وَسَعَى، وَأَسْمَحَ مَنْ عَدَلَ وَسَوَّى، وَأَخْطَبَ أَهْلِ الدُّنْيَا إِلَّا الْأَنْبِيَاءَ وَالنَّبِيَّ الْمُصْطَفَى. وَصَاحِبَ الْقِبْلَتَيْنِ، فَهَلْ يُوَازِيهِ مُوَحِّدٌ؟ وَزَوْجُ خَيْرُ النِّسَاءِ، وَأَبُو السِّبْطَيْنِ، لَمْ تَرَ عَيْنِي مِثْلَهُ، وَلَا تَرَى إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَاللِّقَاءِ. مَنْ لَعَنَهُ فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْعِبَادِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ. قَالَ: فَمَا تَقُولُ فِي طَلْحَةَ وَالزُّبَيْرِ؟ قَالَ: رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِمَا ; كَانَا وَاللَّهِ عَفِيفَيْنِ، بَرَّيْنِ، مُسْلِمَيْنِ، طَاهِرَيْنِ، مُتَطَهِّرَيْنِ، شَهِيدَيْنِ، عَالِمَيْنِ، زَلَّا زَلَّةً وَاللَّهُ غَافِرٌ لَهُمَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ بِالنُّصْرَةِ الْقَدِيمَةِ، وَالصُّحْبَةِ الْقَدِيمَةِ، وَالْأَفْعَالِ الْجَمِيلَةِ. قَالَ مُعَاوِيَةُ: فَمَا تَقُولُ فِي الْعَبَّاسِ؟ قَالَ: رَحِمَ اللَّهُ أَبَا الْفَضْلِ، كَانَ وَاللَّهِ صِنْوَ أَبِي رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقُرَّةَ عَيْنِ صَفِيِّ اللَّهِ، كَهْفَ الْأَقْوَامِ، وَسَيِّدَ الْأَعْمَامِ، قَدْ عَلَا، بَصِرًا بِالْأُمُورِ، وَنَظَرًا بِالْعَوَاقِبِ، قَدْ زَانَهُ عِلْمٌ قَدْ تَلَاشَتِ الْأَحْسَابُ عِنْدَ ذِكْرِ فَضِيلَتِهِ، وَتَبَاعَدَتِ الْأَنْسَابُ عِنْدَ فَخْرِ عَشِيرَتِهِ، وَلِمَ لَا يَكُونُ كَذَلِكَ وَقَدْ سَاسَهُ أَكْرَمُ مَنْ دَبَّ وَهَبَّ عَبْدُ الْمُطَّلَبِ، أَفْخَرُ مَنْ مَشَى مِنْ قُرَيْشٍ وَرَكِبَ. قَالَ مُعَاوِيَةُ: فَلِمَ سُمِّيَتْ قُرَيْشٌ قُرَيْشًا؟ قَالَ: بِدَابَّةٍ تَكُونُ فِي الْبَحْرِ هِيَ أَعْظَمُ دَوَابِّ الْبَحْرِ خَطَرًا، لَا تَظْفَرُ بِشَيْءٍ مِنْ دَوَابِّ الْبَحْرِ إِلَّا أَكَلَتْهُ، فَسُمِّيَتْ قُرَيْشٌ لِأَنَّهَا أَعْظَمُ الْعَرَبِ فِعَالًا. قَالَ: هَلْ تَرْوِي فِي ذَلِكَ شَيْئًا؟ فَأَنْشَدَ قَوْلَ الْجُمَحِيِّ:
وَقُرَيْشٌ هِيَ الَّتِي تَسْكُنُ الْبَحْرَ ... بِهَا سُمِّيَتْ قُرَيْشٌ قُرَيْشَا
تَأْكُلُ الْغَثَّ وَالسَّمِينَ وَلَا تَتْ ... رُكُ فِيهَا لِذِي جَنَاحَيْنِ رِيشَا
هَكَذَا كَانَ فِي الْكِتَابِ حَيٌّ قُرَيْشٍ ... يَأْكُلُ الْبِلَادَ أَكْلًا حَشِيشَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute