لِي أُنَيْسٌ: وَقَدْ شَنَئُوهُ - يَعْنِي كَرِهُوهُ -.
قَالَ أَبُو ذَرٍّ: فَجِئْتُ حَتَّى دَخَلْتُ مَكَّةَ، فَكُنْتُ بَيْنَ الْكَعْبَةِ وَأَسْتَارِهَا خَمْسَ عَشْرَةَ لَيْلَةً وَيَوْمًا، أَخْرُجُ كُلَّ لَيْلَةٍ فَأَشْرَبُ مِنْ مَاءِ زَمْزَمَ شَرْبَةً، فَمَا وَجَدْتُ عَلَى كَبِدِي سَخْفَةَ جُوعٍ وَقَدْ تَعَكَّنَ بَطْنِي، فَجَعَلْتِ امْرَأَتَانِ تَدْعُوَانِ لَيْلَةً آلِهَتَهُمَا، وَتَقُولُ إِحْدَاهُمَا: يَا أَسَافُ، هَبْ لِي غُلَامًا، وَتَقُولُ الْأُخْرَى: يَا نَائِلَةُ، هَبْ لِي كَذَا وَكَذَا. فَقُلْتُ: هُنَّ بِهِنَّ فَوَلَّتَا وَجَعَلَتَا تَقُولَانِ: الصَّابِئُ بَيْنَ الْكَعْبَةِ وَأَسْتَارِهَا، إِذْ مَرَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَبُو بَكْرٍ يَمْشِي وَرَاءَهُ، فَقَالَتَا: الصَّابِئُ بَيْنَ الْكَعْبَةِ وَأَسْتَارِهَا، فَتَكَلَّمَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِكَلَامٍ قَبَّحَ مَا قَالَتَا. قَالَ أَبُو ذَرٍّ: فَظَنَنْتُ أَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَخَرَجْتُ إِلَيْهِ فَقُلْتُ: السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَقَالَ: " «وَعَلَيْكَ السَّلَامُ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ» ". - ثَلَاثًا - ثُمَّ قَالَ لِي: " «مُنْذُ كَمْ أَنْتَ هَهُنَا؟» ". قُلْتُ: مُنْذُ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا وَلَيْلَةً. قَالَ: " «فَمِنْ أَيْنَ كُنْتَ تَأْكُلُ»؟ ". قُلْتُ: كُنْتُ آتِي زَمْزَمَ كُلَّ لَيْلَةٍ نِصْفَ اللَّيْلِ فَأَشْرَبُ مِنْهَا شَرْبَةً، فَمَا وُجَدْتُ عَلَى كَبِدِي سَخْفَةَ جُوعٍ وَلَقَدْ تَعَكَّنَ بَطْنِي، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «إِنَّهَا طُعْمٌ وَشُرْبٌ، وَهِيَ مُبَارَكَةٌ» " - قَالَهَا ثَلَاثًا -. ثُمَّ سَأَلَنِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «مِمَّنْ أَنْتَ؟» ". فَقُلْتُ: مِنْ غِفَارَ قَالَ: وَكَانَتْ غِفَارُ يَقْطَعُونَ عَلَى الْحَاجِّ، فَكَأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَقَبَّضَ عَنِّي، فَقَالَ لِأَبِي بَكْرٍ: " «انْطَلِقْ يَا أَبَا بَكْرٍ انْطَلِقْ يَا أَبَا بَكْرٍ» ". فَانْطَلَقَ بِنَا إِلَى مَنْزِلِ أَبِي بَكْرٍ، فَقَرَّبَ لَنَا زَبِيبًا، فَأَكَلْنَا مِنْهُ، وَأَقَمْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَعَلَّمَنِي الْإِسْلَامَ، وَقَرَأْتُ شَيْئًا مِنَ الْقُرْآنِ. فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُظْهِرَ دِينِي، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكَ أَنْ تُقْتَلَ ". قُلْتُ: لَا بُدَّ مِنْهُ، قَالَ: إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكَ أَنْ تُقْتَلَ» ". قُلْتُ: لَا بُدَّ مِنْهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَإِنْ قُتِلْتُ، فَسَكَتَ عَنِّي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقُرَيْشٌ حِلَقٌ يَتَحَدَّثُونَ فِي الْمَسْجِدِ، فَقُلْتُ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، فَتَنَفَّضَتِ الْحِلَقُ، فَقَامُوا إِلَيَّ فَضَرَبُونِي حَتَّى تَرَكُونِي كَأَنِّي [نُصُبٌ] أَحْمَرُ، وَكَانُوا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ قَدْ قَتَلُونِي، فَقُمْتُ فَجِئْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -[فَرَأَى مَا بِي مِنَ الْحَالِ، فَقَالَ: " «أَلَمْ أَنْهَكَ؟» ". فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ حَاجَةٌ كَانَتْ فِي نَفْسِي فَقَضَيْتُهَا، فَأَقَمْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -] فَقَالَ لِي: " «الْحَقْ بِقَوْمِكَ، فَإِذَا بَلَغَكَ ظُهُورِي فَائْتِنِي» ". فَجِئْتُ وَقَدْ أَبْطَأْتُ عَلَيْهِمْ، فَلَقِيتُ أُنَيْسًا فَبَكَى وَقَالَ: يَا أَخِي، مَا كُنْتُ أَرَاكَ إِلَّا قَدْ قُتِلْتَ لِمَا أَبْطَأْتَ عَلَيْنَا، مَا صَنَعْتَ؟ أَلَقِيتَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute