قَصْعَةً مِنْ ثَرِيدٍ فَاحْتَمَلْتُهَا حَتَّى أَتَيْتُهُ بِهَا عَلَى عَاتِقِي حَتَّى وَضَعْتُهَا بَيْنَ يَدَيْهِ، فَقَالَ: " «مَا هَذِهِ؟ صَدَقَةٌ أَمْ هَدِيَّةٌ؟» ". قُلْتُ: بَلْ صَدَقَةٌ. قَالَ لِأَصْحَابِهِ: " «كُلُوا بِسْمِ اللَّهِ» ". وَأَمْسَكَ وَلَمْ يَأْكُلْ. فَمَكَثْتُ أَيَّامًا، ثُمَّ اشْتَرَيْتُ أَيْضًا بِدِرْهَمٍ لَحْمَ جَزُورٍ، فَأَضَعُ مِثْلَهَا وَاحْتَمَلْتُهَا حَتَّى أَتَيْتُهُ بِهَا فَوَضَعَهَا بَيْنَ يَدَيْهِ، فَقَالَ: " «مَا هَذِهِ؟ هَدِيَّةٌ أَمْ صَدَقَةٌ» ". قُلْتُ: لَا، بَلْ هَدِيَّةٌ قَالَ لِأَصْحَابِهِ: " «كُلُوا بِسْمِ اللَّهِ» ". وَأَكَلَ مَعَهُمْ، قُلْتُ: هَذَا وَاللَّهِ يَأْكُلُ الْهَدِيَّةَ وَلَا يَأْكُلُ الصَّدَقَةَ، فَنَظَرْتُ فَرَأَيْتُ بَيْنَ كَتِفَيْهِ خَاتَمَ النُّبُوَّةِ مِثْلَ بَيْضَةِ الْحَمَامَةِ، فَأَسْلَمْتُ، ثُمَّ قُلْتُ لَهُ ذَاتَ [يَوْمٍ]: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيُّ قَوْمٍ النَّصَارَى؟ قَالَ: " لَا خَيْرَ فِيهِمْ " وَكُنْتُ أُحِبُّهُمْ حُبًّا شَدِيدًا؛ لِمَا رَأَيْتُ مِنِ اجْتِهَادِهِمْ، ثُمَّ إِنِّي سَأَلْتُهُ بَعْدَ أَيَّامٍ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيُّ قَوْمٍ النَّصَارَى؟ قَالَ: لَا خَيْرَ فِيهِمْ وَلَا فِيمَنْ يُحِبُّهُمْ. قُلْتُ فِي نَفْسِي: فَأَنَا وَاللَّهِ أُحِبُّهُمْ، قَالَ: وَذَلِكَ وَاللَّهِ حِينَ بَعَثَ السَّرَايَا وَجَرَّدَ السَّيْفَ، فَسَرِيَّةٌ تَدْخُلُ وَسَرِيَّةٌ تَخْرُجُ، وَالسَّيْفُ يَقْطُرُ، فَقُلْتُ: تَحَدَّثُ الْآنَ إِنِّي أُحِبُّهُمْ فَيَبْعَثُ إِلَيَّ فَيَضْرِبُ عُنُقِي، فَقَعَدْتُ فِي الْبَيْتِ، فَجَاءَنِي الرَّسُولُ ذَاتَ يَوْمٍ فَقَالَ: يَا سَلْمَانُ، أَجِبْ، قُلْتُ: مَنْ؟ قَالَ: رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قُلْتُ: وَاللَّهِ هَذَا الَّذِي كُنْتُ أَحْذَرُ، قُلْتُ: نَعَمْ، اذْهَبْ حَتَّى أَلْحَقَكَ قَالَ: لَا وَاللَّهِ حَتَّى تَجِيءَ، وَأَنَا أُحَدِّثُ نَفْسِي أَنْ لَوْ ذَهَبَ أَنْ أَفِرَّ. فَانْطَلَقَ بِي، فَانْتَهَيْتُ إِلَيْهِ، فَلَمَّا رَآنِي تَبَسَّمَ وَقَالَ لِي: " «يَا سَلْمَانُ، أَبْشِرْ فَقَدْ فَرَّجَ اللَّهُ عَنْكَ» ". ثُمَّ تَلَا عَلَيَّ هَؤُلَاءِ الْآيَاتِ: {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِهِ هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ وَإِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ قَالُوا آمَنَّا بِهِ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّنَا إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ} [القصص: ٥٢]. {أُولَئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُوا وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ - وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ} [القصص: ٥٤ - ٥٥]. قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ نَبِيًّا لَقَدْ سَمِعْتُهُ يَقُولُ: لَوْ أَدْرَكْتُهُ فَأَمَرَنِي أَنْ أَقَعَ فِي النَّارِ لَوَقَعْتُهَا، إِنَّهُ نَبِيٌّ لَا يَقُولُ إِلَّا حَقًّا، وَلَا يَأْمُرُ إِلَّا بِحَقٍّ.)
١٥٨٤٠ - وَفِي رِوَايَةٍ مُخْتَصَرَةٍ قَالَ: فَأَنْزَلَ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ -: {لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا} [المائدة: ٨٢] حَتَّى بَلَغَ: {تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ} [المائدة: ٨٣]. فَأَرْسَلَ إِلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: " «يَا سَلْمَانُ، إِنَّ أَصْحَابَكَ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ ذَكَرَ اللَّهُ» ".
رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ، وَرِجَالُهُ رِجَالُ الصَّحِيحِ غَيْرَ سَلَامَةَ الْعِجْلِيِّ، وَقَدْ وَثَّقَهُ ابْنُ حِبَّانَ.
١٥٨٤١ - وَعَنْ أُمِّ الدَّرْدَاءِ قَالَتْ: أَتَانِي سَلْمَانُ الْفَارِسِيُّ يُسَلِّمُ عَلَيَّ وَعَلَيْهِ عَبَاءَةٌ قَطَوَانِيَّةٌ مُرْتَدِيًا بِهَا، فَطَرَحْتُ وِسَادَةً فَلَمْ يُرِدْهَا، وَلَفَّ عَبَاءَتَهُ فَجَلَسَ عَلَيْهَا، فَقَالَ: بِحَسْبِكِ مَا بَلَغَكِ الْمَحَلُّ، ثُمَّ حَمِدَ اللَّهَ سَاعَةً، وَكَبَّرَ، وَصَلَّى عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ قَالَ: أَيْنَ صَاحِبُكِ - يَعْنِي أَبَا الدَّرْدَاءِ -؟ قُلْتُ: هُوَ فِي الْمَسْجِدِ، فَانْطَلَقَ إِلَيْهِ، ثُمَّ أَقْبَلَا جَمِيعًا وَقَدِ اشْتَرَى أَبُو الدَّرْدَاءِ لَحْمًا بِدِرْهَمٍ فَهُوَ فِي يَدِهِ مُعَلِّقَهُ، فَقَالَ: يَا أُمَّ الدَّرْدَاءِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute