إِنما يعرف العَبْد نَفسه مَعَ وجود الْعقل لِأَنَّهُ سَبَب الإِدراك والتمييز لَا مَعَ عَدمه، لأَنَّ اللَّه تَعَالَى قَالَ: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَات لقوم يعْقلُونَ} ، وَقَالَ: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قلب} وَقَالَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى مخبرا عَن أَصْحَاب النَّار: {وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَاب السعير} وَالله يُعْطي العَبْد الْمعرفَة بهدايته إِلا أَنه لَا يحصل ذَلِك مَعَ فقد الْعقل. وَهَذَا كَمَا أَن العَبْد لَا يعرف اللَّه بجسمه، وَلَا بشخصه، وَلَا بِرُوحِهِ، وَلَا يعرفهُ مَعَ عدم حسمه، وشخصه، وروحه. كَذَلِك لَا يعرف اللَّه بِالْعقلِ وَلَا يعرفهُ مَعَ عدم الْعقل، وَنَظِير هَذَا أَيْضا: أَن الْوَلَد لَا يكون مَعَ فقد الوطئ وَلَا (يكون) بالوطئ، بل يكون بإِنشاء اللَّه وخلقه. وَكَذَلِكَ لَا يكون الزَّرْع إِلا فِي أَرض، وبذر، وَمَاء، وَلَا يكون بذلك، بل يكون بقدرة اللَّه وإِنباته. قَالَ اللَّه تَعَالَى: {أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحن الزارعون} مَعْنَاهُ: أأنتم تنبتونه أَن نَحن المنبتون. يُقَال للْوَلَد زرعه اللَّه أَي: أَنْبَتَهُ اللَّه، وأمثال هَذَا كَثِيرَة، والموفق يَكْتَفِي باليسير، والمخذول لَا يشفيه الْكثير، وَقد قَالَ بعض أهل الْمعرفَة: إِنما أعطينا الْعقل لإِقامة الْعُبُودِيَّة، لَا لإِدراك الربوبية، فَمن شغل مَا أعْطى لإِقامة الْعُبُودِيَّة بإِدراك الربوبية، فَاتَتْهُ الْعُبُودِيَّة، وَلم يدْرك الربوبية. وَمعنى قَوْلنَا: إِنما أعطينا الْعقل لإِقامة الْعُبُودِيَّة هُوَ أَنه آلَة التَّمْيِيز بَين الْقَبِيح وَالْحسن، وَالسّنة والبدعة، والرياء والإِخلاص،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute