جهلت، وَإِذا رَأَيْت بِنَاء مَعَه آله البنائين ثمَّ سميته حدادا جهلت، وَكَذَلِكَ من مَعَه الْكِير والسندان ومنفخ إِذا سميته بزازاً أَو عطاراً جهلت، وَلَو قَالَ صَاحب التَّمْر لصَاحب الْعطر: أَنا عطار، قَالَ لَهُ: كذبت، بل أَنا هُوَ، وَشهد لَهُ بذلك كل من أبصره من الْعَامَّة، ثمَّ كل صَاحب صناعَة، وحرفة يفتخر بصناعته، ويستطيل بهَا، ويجالس أَهلهَا، وَلَا يذمها.
ورأينا أَصْحَاب الحَدِيث رَحِمهم الله قَدِيما وحديثاً، هم الَّذين رحلوا فِي طلب هَذِهِ الْآثَار الَّتِي تدل على سنَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَأَخَذُوهَا من معادنها، وجمعوها من مظانها، وحفظوها فاغتبطوا بهَا ودعوا إِلَى اتباعها، وعابوا من خالفها فكثرت عِنْدهم، وَفِي أَيْديهم حَتَّى اشتهروا بهَا كَمَا اشْتهر الْبَزَّاز ببزه، والتمار بتمره، والعطار بعطره، ثمَّ رَأينَا قوما انسلخوا من حفظهَا ومعرفتها، وتنكبوا اتِّبَاع أَصَحهَا وأشهرها، وطعنوا فِيهَا، وفيمن أَخذ بهَا، وزهدوا النَّاس فِي جمعهَا ونشرها، وضربوا لَهَا ولأهلها أَسْوَأ الْأَمْثَال، فَعلمنَا بِهَذِهِ الدَّلَائِل الظَّاهِرَة والشواهد الْقَائِمَة أَن هَؤُلاءِ الراغبين فِيهَا، وَفِي جمعهَا وحفظها، واتباعها أولى بهَا وأحق من سَائِر الْفرق الَّذين تنكبوا أَكْثَرهَا، وَهِي الَّتِي تحكم عَلَى أهل الْأَهْوَاء بالأهواء. لِأَن الِاتِّبَاع عِنْد الْعلمَاء هُوَ الْأَخْذ بسنن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الَّتِي صحت عَنهُ عِنْد أَهلهَا ونقلتها وحفاظها، والخضوع لَهَا، وَالتَّسْلِيم لأمر النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِيهَا تقليدا لمن أَمر الله بتقليده
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute