وَقَالَ بَعضهم: الْعقل عَلَى ثَلَاثَة أوجه، عقل مَوْلُود مطبوع، وَهُوَ عقل ابْن آدم الَّذِي بِهِ فضل عَلَى أهل الأَرْض، وَهُوَ مَحل التَّكْلِيف وَالْأَمر وَالنَّهْي، وَبِه يكون التَّدْبِير والتمييز.
وَالْعقل الثَّانِي: عقل التأييد، الَّذِي يكون مَعَ الإِيمان مَعًا، وَهُوَ عقل الْأَنْبِيَاء وَالصديقين، وَذَلِكَ تفضل من اللَّه تَعَالَى.
وَالْعقل الثَّالِث: هُوَ عقل التجارب، والعبر، وَذَلِكَ مَا يَأْخُذهُ النَّاس بَعضهم من بعض، وَمن هَذَا قَول من قَالَ: ملاقاة النَّاس تلقيح الْعُقُول. وَقَالَ بعض أهل الْمعرفَة: مِقْدَار الْعقل فِي الْمعرفَة كمقدار الإِبرة عِنْد ديباج أَو خَز فَإِنَّهُ لَا يُمكن لبس ديباج أَو خَز، إِلا أَن يخاط بالإِبرة، فَإِذَا خيط بالإِبرة فَلَا حَاجَة لَهَا إِلَى الإِبرة. كَذَلِك تضبط الْمعرفَة بِالْعقلِ، لَا أَن الْمعرفَة تحصل من الْعقل أَو تثبت بِهِ.
وَاعْلَم: أَن فصل مَا بَيْننَا وَبَين المبتدعة هُوَ مَسْأَلَة الْعقل فإِنهم أسسوا دينهم عَلَى الْمَعْقُول، وَجعلُوا الِاتِّبَاع والمأثور تبعا للمعقول، وَأما أهل السّنة؛ قَالُوا: الأَصْل فِي الدّين الِاتِّبَاع والمعقول تبع، وَلَو كَانَ أساس الدّين عَلَى الْمَعْقُول لَا ستغنى الْخلق عَنِ الْوَحْي، وَعَن الْأَنْبِيَاء، ولبطل معنى الْأَمر وَالنَّهْي، ولقال من شَاءَ مَا شَاءَ، وَلَو كَانَ الدّين بني عَلَى الْمَعْقُول لجَاز للْمُؤْمِنين أَن لَا يقبلُوا شَيْئا حَتَّى يعقلوا. وَنحن إِذَا تدبرنا عَامَّة مَا جَاءَ فِي أَمر الدّين من ذكر صِفَات اللَّه، وَمَا تعبد النَّاس بِهِ من اعْتِقَاده، وَكَذَلِكَ مَا ظهر بَين
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute