فَالْجَوَاب: أَن الْخِيَانَة فِي الْأَمَانَة، غير عدم الطَّاقَة بحملها وأدائها عَلَى وَجههَا. لِأَن الخائن لَو أطَاق أداءها عَلَى وَجههَا لم يخن فِيهَا، فَلَمَّا غلبته نَفسه فِي أَدَائِهَا عَلَى وَجههَا، ودعته إِلَى الْخِيَانَة فِيهَا وَلم يُمكنهُ أَن يُجَاهد نَفسه فِي أَدَائِهَا عَلَى وَجههَا، وَأمره الله تَعَالَى بأدائها عَلَى وَجههَا صَحَّ أَنه مُكَلّف مَا لَا يطيقه.
وَمِمَّا يُؤَكد هَذَا أَن الله تَعَالَى قَالَ: {وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لَا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلا مَا دمت عَلَيْهِ قَائِما} . فَدلَّ ذَلِكَ عَلَى أَن الله تَعَالَى يُكَلف عَبده مَا يَشَاء. ثمَّ يوفق من يَشَاء من عباده، ويقويه، ويطوقه حمله، ويخذل من يَشَاء مِنْهُم، ويضعفه وَلَا يطوقه مَا يكلفه. وكل ذَلِكَ عدل مِنْهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، يفعل مَا يَشَاء وَيحكم مَا يُرِيد.
وَالدَّلِيل عَلَيْهِ أَيْضا: قَوْله تَعَالَى: {وَهُوَ القاهر فَوق عباه} وَلَيْسَ الْقَهْر إِلَّا نفس تَكْلِيف مَا لَا يُطَاق. لِأَن المقهور لَو أطَاق حمل الْقَهْر لم يصر مقهورا. فَدلَّ أَن القاهر هُوَ الَّذِي يقهر غَيره، ويكلفه فِي قهره مَا لَا يطيقه.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute