قَالَ: نَعَمْ. قَالَ الوَليدُ: وَأَهْلُ البَصْرَةِ يَشْتَهُونَ الكَلَامَ، فَانْطَلَقَ مَعَهُ حَتَّى دَخَلَ عَلَى الحَارِثِ، فَأَخَذَ فِي التَّحْمِيدِ، قَالَ: فَسَمعَ البَصْرِيُّ كَلَامًا حَسَنًا، ثُمَّ أَخْبَرَهُ بِأَمْرِهِ، وَأَنَّهُ نَبِيٌّ مَبْعُوثٌ مُرْسَلٌ، فَقَالَ لَهُ: إِنْ كَلَامَكَ حَسَنٌ؛ وَلَكِنْ فِي هَذَا نَظَرٌ. قَالَ: فَانْظُر. فَخَرَجَ البَصْريُّ ثُمَّ عَادَ إِلَيْهِ فَرَدَّ عَلَيْهِ كَلَامَهُ، فَقَالَ لَهُ: إِنَّ كَلَامَكَ لَحَسَنٌ وَقَدْ وَقَعَ فِي قَلْبِي، وَقَدْ آمَنْتُ بِكَ، هَذَا الدِّينُ المسْتَقيمُ. قَالَ: فَأَمَرَ أَنْ لَا يُحْجَبَ، قَالَ: فَأَقْبَلَ البَصْرِيُّ يَتَرَدَّدُ إِلَيْهِ وَيَعْرِفُ مَدَاخِلَهُ وَمَخَارِجَهُ، وَأَيْنَ يَهْرَبُ، وَأَيْنَ يَذْهَبُ، حَتَّى صَارَ مِنْ أَخَصِّ النَّاسِ بِهِ، ثُمَّ قَالَ لَهُ: ائْذَنْ لِي. قَالَ: إِلَى أَيْنَ؟ قَالَ: إِلَى البَصْرَةِ أَكُونُ أَوَّلَ دَاعِيةٍ لَكَ بِهَا. قَالَ: فَأَذِنَ لَهُ، فَخَرَجَ مُسْرِعًا إِلَى عَبدِ الملِكِ وَهُوَ بِالصَّنْبَرَةِ، فَلَمَّا دَنَا مْنْ سُرَادِقِهِ صَاحَ: النَّصِيحَةَ النَّصِيحَةَ. فَقَالَ أَهْلُ العَسْكَرِ: وَمَا نَصِيحَتُكَ؟ قَالَ: نَصِيحَةٌ لِأَمِيرِ المُؤْمِنِينَ، حَتَّى دَنَا مِنْ أَمِيرِ المُؤْمِنِينَ، فَأَمَرَ عَبدُ الملِكِ أَنْ يَأذَنُوا لَهُ، فَدَخَلَ وَعِندَهُ أَصْحَابَهُ فَصَاحَ: النَّصِيحَةَ. فَقَالَ: وَمَا نَصِيحَتُكَ؟ قَالَ: أَخْلِنِي لَا يَكُونُ عِنْدَكَ أَحَدٌ. قَالَ: أَخْرِجْ مَنْ فِي البَيْتِ. وَكَانَ عَبْدُ الملِكِ قَدْ اتَّهَمَ أَهْلَ عَسْكَرِهِ أَنْ يَكُونَ هَوَاهُمْ مَعَهُ، ثُمَّ قَالَ لَهُ: أَدْنِنِي. فَدَنَا مِنْهُ وَعَبدُ الملِكِ عَلَى السَّرِيرِ، قَالَ: مَا عِنْدَكَ؟ قَالَ: الحَارِثُ. فَلَمَّا ذَكَرَ الحَارِثَ طَرَحَ نَفْسَهُ مِنْ السَّرِيرِ، ثُمَّ قَالَ: أَيْنَ هُوَ؟ فَقَالَ: يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ، إِنَّهُ بِبَيْتِ المقْدِسِ، وقَدْ عَرَفْتُ مَدَاخِلَهُ وَمَخَارِجَهُ. فَقَصَّ عَلَيْهِ قِصَّتَهُ وَكَيْفَ صَنَعَ بِهِ، فَقَالَ: أَنْتَ صَاحِبُهُ، وَأَنتَ أَمِيرُ بَيْتِ المقْدِسِ، وَأَمِيرُ مَا هَا هُنَا، فَمُرْنِي بِمَا شِئْتَ. قَالَ: يَا أَميرَ المُؤْمِنِينَ، ابْعَثْ مَعِي قَوْمًا لَا يَفْقَهُونَ الكَلَامَ. فَأَمَرَ أَرْبَعينَ رَجُلًا مِنْ فرغانةَ، فَقَالَ: انْطَلِقُوا مَعَ هَذَا فَمَا أَمَرَكُمْ بِهِ مِنْ شَيْء فَأَطِيعُوهُ. قَالَ: وَكَتَبَ إِلَى صَاحِبِ بَيْتِ المقْدِسِ إِنَّ فُلَانًا الأَميرُ عَلَيْكَ حَتَّى يَخْرُجَ؛ فَأَطِعْهُ فِيمَا أَمَرَكَ بِهِ. قَالَ: فَلَمَّا قَدِمَ بَيْتَ المقْدِسِ أَعْطَاهُ الكِتَابَ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute