قَالَ: فَمُرْنِي بِمَ شِئْتَ. قَالَ: اجْمَعْ لِي إِنْ قَدِرْتَ كُل شَمْعَةٍ بِبَيْتِ المقْدِسِ، وَادْفَعْ كُلَّ شَمْعَةٍ إِلَى رَجُلٌ، وَرَتِّبهُمْ عَلَى أزِقَّةِ بَيْتِ المقْدِسِ وَزَوَايَاهُ بِالشَّمْعِ، فَإِذَا قُلْتُ: أَسْرِجُوا، فَأسْرِجُوا جَمِيعًا. قَالَ: فَرَتَّبَهُمْ فِي أَزِقَّةِ بَيْتِ المقْدِسِ وَفِي زَوايَاهَا بِالشَّمْعِ، وَتَقَدَّمَ البَصْرِيُّ وَحْدَهُ إِلَى مَنْزِلِ الحَارِثِ، فَأَتَى البَابَ، فَقَالَ لِلْحَاجِبِ: اسْتَأَذِنْ لِي عَلَى نَبِيِّ اللَّهِ. فَقَالَ: فِي هَذِهِ السَّاعَةِ مَا يُؤْذَنُ عَلَيْهِ حَتَّى يُصْبحَ. قَالَ: أَعْلِمْهُ أَنِّي إِنَّمَا رَجَعْتُ شَوْقًا إِلَيْهِ قَبْلَ أَنْ أَصِلَ. قَالَ: فَدَخَلَ عَلَيْهِ فَأَعْلَمَهُ كَلَامَهُ وَأَمْرَهُ. قَالَ: فَفَتَحَ لَهُ البَابَ، ثُمَّ صَاحَ البَصْرِيُّ: أَسْرِجُوا، فَأُسْرِجَتِ الشَّمْعُ حَتَّى كَانَتْ بَيْتَ المقْدِسِ كَأَنَّهَا النَّهَارُ، ثُمَّ قَالَ: مَنْ مَرَّ بِكُمْ فَاضْبُطُوهُ. قَالَ: وَدَخَلَ كَمَا هُوَ إِلَى الموضِعِ الَّذِي يَعْرِفُهُ، فَنَظَرَ فَإِذَا لَا يَجِدهُ، فَطَلَبَهُ فَلَمْ يَجِدهُ، فَقَالَ أَصْحَابُهُ: هَيْهاتَ تُريدُونَ أَنْ تَقْتُلُوا نَبِى اللَّهِ قَدْ رُفعَ إِلَى السَّمَاءِ. قَالَ: فَطَلَبَهُ فِي شِقٍّ قَدْ كَانَ هَيَّأَهُ سِرِّيًا، قَالَ: فَأَدْخَلَ البَصْرِيُّ يَدَهُ فِي ذَلِكَ الشِّقِّ، فَإِذَا بِثَوْبِهِ فَأَخَذَ بِهِ فَمَزَّقَهُ، فَأَخْرَجَهُ إِلَى خَارِج، ثُمَّ قَالَ لِلْفرْغَانيينَ: اضبُطُوا. فَرَبَطُوهُ، فَبَيْنَمَا هُمْ يَسِيرُونَ بِهِ البَرِيدَ إِذْ قَالَ: {أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ} (٣٥٤) الآية. فَقَالَ الفرْغَانِيُّ: فَقَالَ أَهْلُ فرْغَانة (٣٥٥): أُولَئِكَ العَجَمُ، هَذَا كُرْآنُنَا فَهَاتِ كُرْآنَكَ أَنْتَ. فَسَارَ بِهِ حَتَّى أَتَى بِهِ عَبدَ الملِكِ، فَلَمَّا سَمعَ بِهِ أَمَرَ بِخَشَبَةٍ فَنُصِبَتْ فَصَلَبَهُ، وَأَمَرَ بِحَربَةٍ وَأَمَرَ رَجُلًا فَطَعَنَهُ، فَأَصَابَ ضِلَعًا مِنْ أَضْلَاعِهِ فَكعبَ الحَرْبَةَ، فَجَعَل النَّاسُ يَصِيحُونَ: الأَنْبِيَاءُ لَا يَجُوزُ فِيهِمُ السِّلَاحُ. فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ رَجُلٌ مِنْ المُسْلِمِينَ تَنَاوَلَ الحَرْبَةَ ثُمَّ مَشَى بِهَا إِلَيْهِ، ثُمَّ أَقْبلَ يَتَحَسَّسُ حَتَّى وَافَى بَيْنَ ضِلْعَينِ، فَطَعَنَهُ بِهَا فَأَنْفَذَها فَقَتَلَهُ، قَالَ الوَلِيدُ: بَلَغَنِي أَن خَالِدَ بْنَ يَزِيدَ بْنِ مُعاوِيَةَ دَخَلَ عَلَى عَبدِ الملِكِ، فَقَالَ: لَوْ حَضَرْتُكَ مَا أَمَرْتُكَ بِقَتْلِهِ. قَالَ: وَلِمَ؟ قَالَ:
(٣٥٤) غافر: ٢٨.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute