= مالك خازن جهنم، لم يتبسم قط، ولم يزل منذ ولاه اللَّه جهنم يزداد كل يوم غضبًا وغيظًا على أعداء اللَّه وأهل معصيته لينتقم اللَّه به منهم. "فسلمت عليه، فرد علي وكلمته فأجابني وبشرني بالجنة، قلت له: مذ كم أنت واقد على جهنم؟ " قال: منذ خلقت حتى الآن، وكذلك حتى الساعة. قلت: "يا جبريل، مره فليفتح بابًا منها". فأمره بذلك ففعل "فخرج منها لهب ساطع أسود معه دخان كدر مظلم امتلأت منه الآفاق وسطع اللهب في السماء له قصيف ومعمعة، فرأيت منه هولًا فظيعًا وأمرًا عظيمًا أعجز عن صفته، فكاد يغشى علي وتزهق نفسي فقلت: يا جبريل، مره فليردده". فأمره بذلك ففعل "ثم جاوزناه ومررت بملائكة كثيرة لا يحصى عددهم إلا اللَّه الواحد الملك القهار، منهم من له وجوه كثيرة بين كتفيه اللَّه أعلم بعدها، ثم وجوه كثيرة في صدره، وفي كل وجه من تلك الوجوه أفواه وألسن وهم يحمدون اللَّه ويسبحونه بتلك الألسن كلها، فرأيت من خلقهم وعبادتهم للَّه أمرًا عظيمًا، فجاوزناهم من سماء إلى سماء حتى بلغنا بقوة اللَّه إلى السماء السادسة، فإذا خلق كثير فوق وصف الواصفين يموج بعضهم في بعضى كثرة، وإذا كل ملك منهم ممتلئ ما بين رأسه ورجليه وجوه وأجنحة، وليس من فم ولا رأس ولا وجه ولا عين ولا لسان ولا أذن ولا جناح ولا يد ولا رجل ولا عضو ولا شعر إلا يسبح اللَّه بحمده، ويذكر من آلائه وثنائه بكلام لا يذكره العضو الآخر رافعين أصواتهم بالبكاء من خشية اللَّه والتحميد له وعبادته، لو سمع أهل الأرض صوت ملك منهم لماتوا كلهم فزعًا من شدة هوله قلت: يا جبريل، من هؤلاء؟ " قال: سبحان اللَّه العظيم هؤلاء الكروبيون عن عبادتهم لثه وتسبيحهم له وبكائهم من خشيته، خلقوا كما ترى لم يكلم واحد منهم صاحبه إلى جنبه قط، ولم ير وجهه، ولم يرفعوا رووسهم إلى السماء السابعة منذ خلقوا، ولم ينظروا إلى ما تحتهم من السموات والأرضين خشوعًا في جسمهم، وخوفًا من ربهم. "فأقبلت عليهم بالسلام فجعلوا يردون علي إيماء ولا يكلموني ولا ينظرون إلي من الخشوع" فلما رأى ذلك جبريل قال: هذا محمد نبي الرحمة الذي أرسله اللَّه في العرب نبيًا، وهو خاتم الأنبياء وسيد البشر أفلا تكلمونه. "فلما سمعوا ذلك من جبريل وذكره أمري بما ذكر أقبلوا علي بالتحية والسلام فأحسنوا بشارتي وكلموني وبشروني بالخير لأمتي، ثم أقبلوا على عبادتهم كما كانوا، فأطلقت المكث عندهم والنظر إليهم تعجبًا منهم لعظم خلقهم وفضل عبادتهم، ثم جاوزناهم فحملني جبريل فأدخلني السماء السابعة، فأبصرت فيها خلقًا وملائكة من خلق ربهم لم يؤذن لي أن أحدثكم عنهم ولا أصفهم لكم، ثم أخبركم إن اللَّه أعطاني عند ذلك مثل قوة أهل الأرض، وزادني من عنده ما هو أعلم به، ومن عليَّ بالثبات، وحدد بصري لرؤية نورهم، ولولا ذلك ما استطعت النظر فقلت: سبحان اللَّه العظيم الذي خلق مثل هؤلاء، قلت: من هؤلاء يا جبريل؟ فأخبرني وقص علي من شأنهم العجب، ولم يؤذن لي أن أحدثكم عنهم، ثم جاوزناهم فأخذ =