= نورهم، وحدد بصري لرؤيتهم، فنظرت إليهم في مقامهم فإذا ماء البحر وهو بحر البحور في كثافته وكثرة أمواجه وأمواج أواذيه لم يجاوز ركبهم، قلت: يا جبريل ما هذا البحر الذي قد غمر البحور كلها، وقد كدت أنسى من شدة هوله وكثرة مائه كل عجب رأيت من خلق اللَّه، ومع بعد قعره لم يجاوز ركبهم فأين منتهى أقدامهم؟ " قال: يا محمد قد أخبرتك عن شأن هذا البحر، وعن عجائب هذا الخلق الذي فيه، منتهى أقدامهم عند أصل هذا الماء الذي في قعر هذا البحر، ومنتهى رؤوسهم عند عرش رب العزة. "وإذا لهم دوي بالتسبيح لو سمع أهل الأرض صوت ملك واحد منهم لصعقوا أجمعون وماتوا، وإذا هم يقولون: سبحان اللَّه وبحمده، سبحان اللَّه العظيم الحي القيوم، سبحان اللَّه وبحمده، سبحان اللَّه العظيم، سبحان اللَّه وبحمده، سبحان اللَّه القدوس، فحمدت اللَّه عليَّ ما رأيت من عجائب ذلك البحر ومن فيه، ثم جاوزناهم بإذن اللَّه إلى عليين حتى انتهينا إلى بحر من نور قد علا نوره وسطع في عليين، فرأيت من شعاع تلألؤه أمرًا عظيمًا لو جهدت أن أصفه لكم ما استطعت ذلك غير أن نوره ذب كل نور، وغمر كل نار، وعلا كل شعاع رأيته قبل ذلك مما حدثتكم، فلما نظرت إليه كاد شعاعه يخطف بصري، ولقد كَلَّ وعشى دونه حتى جعلت لا أبصر شيئًا كأني إنما أنظر إلى ظلمة لا إلى نور" فلما رأى جبريل ما بي قال: اللهم ثبته برحمتك، وأيده بقوتك، وأتمم عليه نعمتك. "فلما دعا لي بذلك جلى عن بصري وحدده اللَّه لروية شعاع ذلك النور، ومن عليَّ بالثبات لذلك، فنظرت إليه وقلبت بصري في نواحي ذلك البحر، فلما امتلأت عيني ظننت أن السموات السبع والأرضين وكل شيء متلألأ نورًا ومتأجج نارًا، ثم حار بصري حتى ظننت أن نوره يتلون علي ما بين الحمرة والصفرة، والبياض والخضرة، ثم اختلطن والتبسن جميعًا حتى ظننت أنه قد أظلم من شدة وهجه وشعاع تلألؤه وإضاءة نوره، فنظرت إلى جبريل فعرف ما بي فأنشأ يدعو لي الثانية بنحو من دعائه الأول، فرد اللَّه إلي بصري برحمته وحدده لرؤية ذلك، وأيدني بقوته حتى ثبت وقمت له، وهون ذلك عليَّ بمنه حتى جعلت أقلب بصري في أواذي نور ذلك البحر، فإذا فيه ملائكة قيام صفًا واحدًا متراصين كلهم متضايقين بعضهم في بعض، قد أحاطوا بالعرش واستداروا حوله، فلما نظرت إليهم ورأيت عجائب خلقهم كأني أنسيت كل شيء كان قبلهم مما رأيت من الملائكة، وما وصفت لكم قبلهم، حتى ظننت أني حين رأيت عجائب خلقهم كأني نسيت كل شيء كان قبلهم مما رأيت من الملائكة لعجب خلق أولئك الملائكة، وقد نهيت أن أصفهم لكم، ولو كان أذن لي في ذلك فجهدت أن أصفهم لكم لم أطق ذلك، ولم أبلغ جزءًا واحدًا من مئة جزء، فالحمد للَّه الخلاق العليم، العظيم شأنه، فإذا هم قد أحاطوا بالعرش وغضوا أبصارهم دونه، لهم دوي بالتسبيح كأن السموات والأرضين والجبال الرؤاسي ينضم =