للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .


= بعضها إلى بعض بل أكثر من ذلك، وأعجب فوق وصف الواصفين، فأصغيت لتسبيحهم كي أفهمه، فإذا هم يقولون: لا إله إلا اللَّه ذو العرش الكريم، لا إله إلا اللَّه العلي العظيم، لا إله إلا اللَّه الحي القيوم، فإذا فتحوا أفواههم بالتسبيح للَّه خرج من أفواههم نور ساطع كأنه لهبان النار، لولا أنها بتقدير اللَّه تحيط بنور العرش لظننت يقينًا أن نور أفواههم كان يحرق ما دونهم من خلق اللَّه كلهم، فلو أمر اللَّه واحدًا منهم أن يلتقم السموات السبع والأرضين السبع ومن فيهن من الخلائق بلقمة واحدة لفعل ذلك، ولهان عليه لما شرفهم وعظم من خلقهم، وما يوصفون بشيء إلا هم أعجب، وأمرهم أعظم من ذلك، قلت: يا جبريل من هؤلاء؟ " قال: سبحان اللَّه القهار فوق عباده يا محمد، ما ينبغي لك أن تعلم من هؤلاء، أرأيت أهل السماء السادسة وما فوق ذلك إلى هؤلاء، وما رأيت فيما بين ذلك، وما لم تر أعظم وأعجب، فهم الكروبيون أصناف شتى، وقد جعل اللَّه تعالى في جلاله وتقدس في أفعاله ما ترى، وفضلهم في مكانهم وخلقهم، وجعلهم في درجاتهم وصورهم ونورهم كما رأيت، وما لم تر أكثر وأعجب. "فحمدت اللَّه على ما رأيت من شأنهم، ثم جاوزناهم بإذن اللَّه متصعدين في جو عليين أسرع من السهم والريح بإذن اللَّه وقدرته حتى وصل بي إلى العرش ذي العزة العزيز الواحد القهار، فلما نظرت إلى العرش فإذا ما رأيته من الخلق كله قد تصاغر ذكره، وتهاون أمره، واتضع خطره عند العرش، وإذا السموات السبع، والأرضون السبع، وأطباق جهنم، ودرجات الجنة، وستور الحجب، والنار، والبحار، والجبال التي في عليين، وجميع الخلق والخليقة إلى عرش الرحمن كحلقة صغيرة من حلق الدرع في أرض فلاة واسعة تيماء لا يعرف أطرافها من أطرافها، وهكذا ينبغي لمقام رب العزة أن يكون عظيمًا لعظم ربوبيته، وهو كذلك وأعظم وأجل وأعز وأكرم وأفضل، وأمره فوق وصف الواصفين، وما تلهج به ألسن الناطقين، فلما أصرى بي إلى العرش وحاذيته دلى لي رفرف أخضر لا أطيق صفته لكم، فأهوى بي جبريل فأقعدني عليه، ثم قصر دوني ورد يديه على عينيه مخافة على بصره أن يلتمع من تلألؤ نور العرش، وأنشأ يبكي بصوت رفيع ويسبح اللَّه تعالى ويحمده ويثني عليه، فرفعني ذلك الرفرف بإذن اللَّه ورحمته إياي، وتمام نعمته عليَّ إلى سيد العرش، إلى أمر عظيم لا تناله الألسن، ولا تبلغه الأوهام، فحار بصري دونه حتى خفت العمى، فغمضت عيني وكان توفيقًا من اللَّه، فلما غمضت بصري رد إلهي بصري في قلبي، فجعلت أنظر بقلبي نحو ما كنت أنظر بعيني نورًا يتلألأ نهيت أن أصف لكم ما رأيت من جلاله، فسألت ربي أن يكرمني بالثبات لرويته بقلبي كي أستتم نعمته، ففعل ذلك ربي وأكرمني به، فنظرت إليه بقلبي حتى أثبته، وأثبت رويته، فإذا هو حين كشف عنه حجبه مستو على عرشه في وقاره وعزه ومجده وعلوه، ولم يؤذن لي في غير ذلك من صفته لكم سبحانه بجلاله وكرم فعاله في مكانه العلي، ونوره المتلالئ، فمال إلي من وقاره بعض الميل فأدناني منه، فذلك =

<<  <   >  >>