= قوله في كتابه يخبركم فعاله بي وإكرامه إياي {ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى (٦) وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى (٧) ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى (٨) فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى (٩)} يعني حيث مال إلي فقربني منه قدر ما بين طرفي القوس بل أدنى من الكبد إلى السية {فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى} يعني ما قضى من أمره الذي عهد إلي {مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى} يعني رؤيتي إياه بقلبي {لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى} فلما مال إلي من وقاره سبحانه وضع إحدى يديه بين كتفي، فلقد وجدت برد أنامله على فؤادي حينًا، ووجدت عند ذلك حلاوته، وطيب ريحه، وبرد لذاذته، وكرامة رويته، فاضمحل كل هول كنت لقيت، وتجلت عني روعاتي، واطمأن قلبي، وامتلأت فرحًا، وقرت عيناي، ووقع الاستبشار والطرب عليَّ حتى جعلت أميل وأتكفا يمينًا وشمالًا، ويأخذني مثل السبات، وظننت أن من في الأرض والسموات ماتوا كلهم؛ لأني لا أسمع شيئًا من أصوات الملائكة، ولم أر عند رؤية ربي أجرام ظلمة، فتركني إلهي كذلك إلى ما شاء اللَّه، ثم رد إلي ذهني فكأني كنت مستوسنًا وأفقت، فثاب إليَّ عقلي، واطمأننت بمعرفة مكاني، وما أنا فيه من الكرامة الفائقة، والإيثار البين، فكلمني ربي سبحانه وبحمده فقال: يا محمد هل تدري فيم يختصم الملأ الأعلى؟ قلت: يا رب أنت أعلم بذلك، وبكل شيء، وأنت علام الغيوب. قال: اختصموا في الدرجات والحسنات، هل تدري يا محمد ما الدرجات والحسنات؟ قلت: يا رب أنت أعلم وأحكم. فقال: الدرجات: إسباغ الوضوء في المكروهات، والمشي على الأقدام إلى الجمعات، وانتظار الصلاة بعد الصلاة، والحسنات: إطعام الطعام، وإفشاء السلام، والتهجد بالليل والناس نيام، فما سمعت شيئًا قط ألذ ولا أحلى من نغمة كلامه، فاستأنست إليه من لذاذة نغمته حتى كلمته بحاجتي فقلت: يا رب إنك اتخذت إبراهيم خليلًا، وكلمت موسى تكليمًا، ورفعت إدريس مكانًا عليًا، وآتيت سليمان ملكًا لا ينبغي لأحد من بعده، وآتيت داود زبورًا، فما لي يا رب؟ قال: يا محمد اتخذتك خليلًا كما اتخذت إبراهيم خليلًا، وكلمتك كما كلمت موسى تكليمًا، وأعطيتك فاتحة الكتاب وخواتيم سورة البقرة، وكانتا من كنوز عرشي، ولم أعطهما نبيًا قبلك، وأرسلتك إلى أبيض أهل الأرض وأسودهم وأحمرهم، وجنهم وإنسهم، ولم أرسل إلى جماعتهم نبيًا قبلك، وجعلت الأرض برها وبحرها لك ولأمتك طهورًا ومسجدًا، وأطعمت أمتك الفيء ولم أطعمه أمة قبلها، ونصرتك بالرعب حتى إن عدوك ليفر منك وبينك وينه مسيرة شهر، وأنزلت عليك سيد الكتب كلها ومهيمنًا عليها قرآنًا فرقناه، ورفعت لك ذكرك حتى قرنته بذكري فلا أذكر بشيء من شراخ ديني إلا ذكرتك معي، ثم أفضى إليَّ من بعد هذا أمور لم يؤذن لي أن أحدثكم بها، فلما عهد إلى عهده وتركني ما شاء، ثم استوى على عرشه سبحانه بجلاله ووقاره وعزه، نظرت وإذا قد حيل بيني وبينه، وإذا دونه حجاب من نور يلتهب التهابًا لا يعلم مسافته إلا اللَّه، لو هتك في موضع لأحرق =